socialism.org.il
ليبيا
يجب إسقاط القذافي!
الجماهير ترفض أي تدخل عسكري
نايل مولهالند، اللجنة لأممية العمال (CWI)
2011/02/28 14:04

تعرض حكم الديكتاتور معمر القذافي في ليبيا لضربة كبيرة في أواخر فبراير/شباط مع سقوط الزاوية، وهي مدينة تبعد 30 ميلا من العاصمة طرابلس، في أيدي قوى المعارضة. وتحدثت تقارير عن مقتل أكثر من 20 شخصا في المواجهات العنيفة من أجل السيطرة على المدينة والتي بدأت يوم الخميس الماضي واستمرت أربعة أيام. وأحيطت الزاوية، وهي منفذ مهم لتصدير النفط، من قبل قوات الجيش الليبي الموالية للقذافي لكنها حتى الآن لم تحاول استعادة السيطرة على المدينة.

وأسفرت الانتفاضة خلال 10 أيام عن سقوط نحو ألف قتيل على الأقل ونزوح آلاف من المواطنين هروبا من القتال. وتحشدت عشرات الآلاف من النازحين بالقرب من الحدود الليبية التونسية.

وقد وقعت مدن أخرى في مختلف أنحاء ليبيا في الأيام الأخيرة في أيدي المعارضة. وأشارت التقارير الواردة من مدينة مصراتة إلى أن معارضي نظام القذافي صدوا للهجوم المضاد خلال نهاية الأسبوع الماضي. ولا تزال طرابلس الباقية جزئيا في قبضة النظام تحاصر على نحو متزايد. وتحمي الدبابات ونقاط التفتيش الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة ولكن الوضع داخل المدينة يزداد فوضى ويأسا، حيث يجتمع حشود أمام محلات تجارية للتزود بالسلع الأساسية ويحاصرون البنوك للحصول على أموالهم.

وفي مسعى لتنظيم هجوم مسلح نهائي على قاعدة أنصار القذافي تخطط مجموعات من قوى المعارضة المسلحة لإجراء مسيرة غرب ليبيا من أجل إقامة روابط مع الميليشيات المعارضة بالقرب من طرابلس. وتتكون هذه المجموعات أساسا من الشباب والأعضاء السابقين في قوات الأمن الذين انضموا إلى المعارضة خلال المعارك الضارية في مدينة بنغازي، مما أدى إلى فقدان القذافي سيطرته على ثاني أكبر مدينة في ليبيا. وقال عضو في "الحكومة المؤقتة" التي أعلن عن تشكيلها حديثا في بنغازي إن هذه الجماعات المسلحة ليست جزءا من الحملة "الرسمية" على طرابلس، بالرغم من أنها تحظى بدعم الحكومة المؤقتة.

ويبدو أن أيام القذافي في السلطة تقتصر بسرعة، على الرغم من أن زوال النظام يمكن أن يطول ويرافقه المزيد من إراقة الدماء. والعقبة المحتملة الرئيسية لتقدم ميليشيا المعارضة هي مدينة سرت، المعقل التقليدي لعائلة القذافي، التي تقع في الطريق بين بنغازي وطرابلس. وعلى الرغم من أن بعض أفراد الجيش والأمن في سرت انضموا للمعارضة، لم يكن ذلك بحجم يشبه هذه الظاهرة بشرق البلاد. ويحظي القذافي كذلك بدعم القبائل في سرت، لكن قاعدة هذا الدعم يمكن أن تنهار إذا أدركت القبيلة الرئيسية في المنطقة بأن القذافي هو قضية خاسرة.

وفي الواقع ينسحب أكثر فأكثر من القبائل والوزراء السابقين وكبار المسؤولين والدبلوماسيين من هذا النظام كل يوم ويعلنون ولاءهم للثورة. وقد أعلن عدد من ضباط وجنرالات الجيش رفضهم لإطلاق النار على المظاهرات وللقصف الجوي ضد المدنيين العزل الذين يخرجون للاحتجاج في الشوارع.

وظهر القذافي في خطاباته الأخيرة دكتاتورا فقد السيطرة ووجه تهديدات مروعة إلى المتظاهرين ويخلطها بالعبارات المعادية للامبريالية والمحاولات الرامية إلى تعزيز مبدأ "فرق تسد"، وذلك بعرضه على بعض القبائل مبالغ كبيرة من المال وقطعات واسعة من الأرض، لكنه فشل في ذلك. وعلى الرغم من لغته الخطابية "الثورية" في بعض الأحيان والتغييرات التي أدخلت منذ انقلاب 1969، قد أكد القذافي أن السيطرة لا تزال في قبضته ومن ثم لم يتغير نمط الحياته الفاخرة وتبقى ثروات أطفاله كما هي.

وبدراستها السيناريوهات المحتملة لختام الصراع في ليبيا تقطع القوى الغربية الآن بسرعة وبشكل علني صلاتها الحميمة مع نظام القذافي. إنها تستغل عداءها في الماضي لنظام القذافي لتقديم نفسها بأنها تقف إلى جانب "الشعب"، وهو ما لم تفعله حيال الأنظمة شبه الإقطاعية في المملكة العربية السعودية وغيرها من النظم الخليجية. ويتدافع الامبرياليون للتأثير على النظام في مرحلة ما بعد القذافي لضمان استمرار وصول الشركات التجارية الغربية الكبرى لحقول النفط في ليبيا بصورة تفضيلية ومربحة وحماية المصالح الامبريالية الجيوستراتيجية الحيوية في المنطقة. والولايات المتحدة، على وجه الخصوص، تشعر بالرعب بشأن احتمال تكرار الأحداث الليبية في المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط، حيث أطلق بعض الشباب على شبكة الإنترنت يوم 11 مارس المقبل يوم "الثورة".

الإمبريالية تغير نبرتها

كان زعماء غربيون قد اكتشفوا في وقت متأخر جدا أن لديهم مخاوف جدية بشأن فقدان الديمقراطية في ليبيا، ويطالب هؤلاء الآن بتنحي الدكتاتور. وأعلن بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة أن قيام مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات ضد نظام القذافي يأتي "لتسريع عملية الانتقال إلى نظام حكم جديد ". وحتى الصديق الحميم للقذافي رئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني أصدر تعليمات لوزير خارجيته بأن يعلق واقعيا "اتفاقية الصداقة" لعام 2008 مع ليبيا والتي تتضمن جملة حول "عدم الاعتداء".

ووسط تقارير بأن القذافي حوّل 3 مليارات جنيه استرليني إلى بريطانيا الأسبوع الماضي، جمدت حكومة كاميرون أصول الدكتاتور الليبي وعائلته. واتصل مسؤولون بريطانيون أيضا بكبار الشخصيات الليبية في محاولة لإقناعهم للتخلي عن النظام لكي ينهار بدلا من أن نشاهد آخر معركة دموية حتى النهاية.

وتحت ستار المساعدات الإنسانية، يدعو بعض الساسة في الغرب إلى فرض "منطقة حظر جوي" على ليبيا وحتى لتدخل عسكري غربي فيها وكذلك في المملكة العربية السعودية إذا بدأت انتفاضة شاملة هناك أيضا. فقد دعمت الولايات المتحدة علنا الجماعات المناهضة للقذافي في شرق ليبيا.

لكن بين الجماهير الليبية، والتي تعلم جيدا تاريخ بلادهم ونضال أجدادهم ضد الاستعمار، هناك معارضة قوية لأي تدخل إمبريالي جديد في المنطقة. "على الرغم من التضحيات الكبيرة التي يقدمها الليبيون كل يوم فإنهم يرفضون تماما أي تدخل أجنبي حتى لهدف حمايتهم والدفاع عنهم"، وقال كاتب ليبي (الغارديان 11/02/28): "الناس يصرون على أن هذه الثورة هي ثورتهم وحدهم".

وأظهرت التقارير الواردة من الزاوية وجود تأييد واسع للانتفاضة، وكذّبت هذه التقارير أيضا دعاية القذافي بأن المتمردين هم الشباب المخدر والمقاتلون الأجانب لتنظيم القاعدة: "… إنهم كانوا من أبناء البلدة… أطباء ومهندسون ومعلمون وشباب وشيوخ محليون… "، حسبما جاء في تقارير صحيفة الغارديان (لندن 11/02/28).

وقد تم تشكيل مختلف "لجان محلية" ومجالس للشيوخ في بنغازي ومصراته والزاوية من أجل "استعادة النظام"، بينما شكلت قوى المعارضة المسيطرة على المدن الشرقية "مجلسا وطنيا" بانتظار سقوط طرابلس.

وأعلن وزير العدل السابق مصطفى عبد الجليل أنه سيرأس الحكومة المؤقتة، مما يشير إلى أنه يحظى بدعم الولايات المتحدة. وقال أيضا إنه يمكن التوصل إلى اتفاق مع أبناء القذافي، مكررا لما جاء على لسان بعض الساسة الغربيين.

وعلى الرغم من أن تعليقات مصطفى عبد الجليل عارضتها قوى معارضة أخرى، فإنها لا تزال تنوي أن تضم الأخير للحكومة المؤقتة. هذا يجب أن يكون بمثابة تحذير للجماهير الليبية — ثورتهم في خطر التعرض للخطف من قبل بقايا نظام القذافي و"قادة" المعارضة المؤيدة للبرجوازية وزعماء القبائل الرجعية والمصالح الإمبريالية.

اللجان حيوية

ولكي تحقق الثورة أهدافها المتمثلة في الحقوق الديمقراطية الحقيقية ورفع مستوى المعيشة فإنها تحتاج إلى لجان منتخبة ديمقراطيا تمثل حقا مصالح جماهير الشعب الكادح والشباب والفقراء في أماكن العمل والأحياء والجامعات، ويجب ربط هذه اللجان على مستوى المدن والمراكز والمحافظات والجمهورية. كما أن بناء لجان داخل قوات الدولة أمر حيوي.

وبطرح المطالب الديمقراطية فضلا عن تلك اللازمة لتأمين مستوى لائق للمعيشة يمكن لمثل هذه الحركة أن تحث جماهير طرابلس على الانتفاضة ضد نظام القذافي.

وبإمكان الجماهير المسلحة تحت رقابة ديمقراطية أن تدافع عن أنفسها ضد قوات القذافي وتسير نحو آخر معقل للديكتاتور، ويطيح بـ"القائد" ونظامه بأكمله تجنبا في الوقت ذاته سقوط البلاد مرة أخرى تحت سيطرة أجنبية.

ومن شأن هذه الحركة الجماهيرية أن تطبق على الفور الحقوق الديمقراطية الكاملة والإشراف على الانتخابات لتشكيل جمعية تأسيسية ثورية. وستعيد حكومة تمثل مصالح العمال والفلاحين حقول النفط وغيرها من القطاعات الرئيسية للاقتصاد للملكية العامة تحت رقابة وإدارة عمالية ديمقراطية. ومن شأن ذلك ضمان أن تخدم ثروات البلاد الطبيعية الضخمة للغالبية العظمى من المجتمع، وليس فقط النخبة الفاسدة المقربة من عائلة القذافي والشركات العملاقة متعددة الجنسيات.

ولضمان ذلك فإن هناك حاجة ماسة إلى تشكيل منظمات جماهيرية للطبقة العاملة، بما في ذلك نقابات مستقلة وحزب عمالي جماهيري مسلح بسياسات اشتراكية جريئة. ومن شأن هذه المنظمات أن تعارض ليس فقط القذافي وفلول نظامه ولكن كل القوى الداعمة للرأسمالية والرجعية والإمبريالية.