socialism.org.il
الاقتصاد العالمي
انهيار السوق – أزمة في رأس المال
لبناء بديل الاشتراكي
روبرت بيشرت، CWI
2008/10/10 13:58

أثناء نشر هذا المقال تسقط في جميع انحاء العالم أسواق الأسهم. يوم الخميس انهيار وول ستريت عزز الدوامة. أسهم تباع والمستثمرون يحاولون الخروج بيأس كما أن الوضع الكارثي للرأسمالية العالمية يصبح أكثر وأكثر واضح. شبح احتمال كساد كبير آخر، مثل الذي حصل في الثلاثينات من القرن الماضي قد نشر الظل المعتم.

هذه المبيعات الكبيرة ليست مجرد نتيجة ذعر مالي أو "تجارة قصيرة". نورييل بوريني، الاقتصادي الرأسمالي الذي حذر باستمرار من هذه الأزمة، يقول أن هناك الآن "ركود حاد، وأزمة مالية شديدة وحادة وأزمة مصرفية في الاقتصادات المتقدمة". رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس —خان كان أكثر دبلوماسياً بالقول ان العالم "على أعتاب من الركود". كما سبق وأشرنا في ال CWIان الرأسمالية العالمية تواجه الآن "سلسلة من الأزمات".

الآن تحدد الأسواق الوتيرة والحكومات الوطنية تسعى جاهدة لايجاد ردا على الانباء التي يبدو انها لا تلين حول الأزمة المالية والركود في الاقتصاد. هذا الاسبوع في اجتماع واشنطن للصندوق النقد الدولي / البنك الدولي سوف نرى محاولات على الاقل لوضع الفرامل على هذه التطورات، من خلال عدد من الإجراءات التي تتخذها الدولة لتأمين المؤسسات المالية وتنشيط الاقتصادات، ولكن هذه المحاولات ليست مؤكدة بأي حال. فمن الواضح انه حتى لو تحقق استقرار أسواق الأسهم و في تجنب المزيد من الانهيارات المالية، فإنه من غير المرجح أن يهرب العالم من كساد عالمي حاد ومطوَل.

سرعة الأزمة المالية الرأسمالية العالمية التي تطورت في الأسابيع القليلة الماضية هي مذهلة. كل يوم تقريبا، وحتى في الوقت الحاضر في كل ساعة، هناك تطور جديد أو تحول. حكومة بعد حكومة تقلب سياساتها السابقة. نفذت فجأة الولايات المتحدة وبريطانيا، سابقا قوس "مؤيدي المسوقين"، تأميم أو تأميم لجزء من البنوك. والتحالف الكبير في المانيا أعلن في آخر لحظة عن تأجيل خصخصة جزء السكك الحديدية. انها فترة وصفها ليون تروتسكي ب"عصر التحولات المفاجئة والمنعطفات الحادة".

إن تصويت الكونغرس في الولايات المتحدة الاسبوع الماضي لصالح صفقة الإنقاذ بمبلغ 700 مليار دولار لم ينه الازمة. وبدا الاسبوع الماضي وكأنه حقبة تاريخية ففي مطلعه أكبر شركات الرهن العقاري في ألمانيا انقذت للمرة الثانية في 8 أيام، كما انتهى الأسبوع بتأميم أو انقاذ خمسة غيرها من المؤسسات المالية الكبرى في الولايات المتحدة، وفي بريطانيا، وفي أيسلندا وفي بلدان البنلوكس. وقد شهد أيضاً هذا الاسبوع تدهور الوضع وهو ينتهي مع تزايد التقارير ان الولايات المتحدة تستعد لإعطاء دعم دولي ضخم ومباشر لتأميم المصارف أو حتى بعض منها.

بالفعل في بداية هذا الاسبوع النظام المصرفي البريطاني اقترب تقريباً بكامله من حافة الانهيار، مما دفع صفقة الحكومة الى صفقة انقاذ بقيمة ما بين 860 و690 مليار دولار. بعد ذلك استخدمت الحكومة البريطانية قوانين مكافحة الارهاب لتجميد الأصول البريطانية من جميع الشركات الآيسلندية بعد أن انهارت البنوك الأيسلاندية مما أدى إلى تجميد ودائع السلطات العامة والشركات البريطانية داخلها.

ولكن الأزمة المالية ما زالت تتعمق، ورمز ذلك هو أسواق الأسهم المستمرة بالانخفاضات الحادة كما أصبحت المخاوف من الركود العالمية أكثر واقعية. وذكر أن صادرات ألمانيا، المصدّر الأكبر في العالم، تم في آب / أغسطس بانخفاض 2.5٪ بالمقارنة مع عام 2007.

في جميع أنحاء العالم وبصورة متزايدة تتصاعد المخاوف الشعبية من مدى هذه الأزمة وعلى ما سوف تعني. في الولايات المتحدة هناك أيضا غضب عميق ضد أولئك الذين يعدون مسؤولين عن الأزمة وهناك معارضة مريرة لما ينظر إليه كانقاذ وول ستريت بدلا من انقاذ الشارع الرئيسي. مشاعر مماثلة بدأت ان تتطور في بريطانيا بسبب موقف حبل النجاة للمصرفية وفي ألمانيا خلال انقاذ ال "هايبو إستيت" العقارية. في بعض البلدان الأخرى لا يزال هناك تأمل في أنها ستتجنب الأسوأ، ولكن في حين أن كل بلد مختلف، فهو من الغير مرجح لأي بلد أن يتمكن تماما من الفرار في أثر حدوث ركود عالمي. أفقر أجزاء أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية قد ضربت بالغعل من التضخم المتزايد، وخاصة في المواد الغذائية وأسعار الوقود في وقت سابق من هذا العام. ان الركود الآن قد تعني مزيد من الانخفاض في مستويات المعيشة حيث أسعار التصدير تنخفض.

تم هذا الاسبوع وبشكل كبير تعزز المخاوف من أزمة البنوك الملاءة بالتهديد بتجميد الاقتصاد الرأسمالي. وقرار الفيدرالي الاحتياطي في الولايات المتحدة في 7 تشرين الأول / أكتوبر كان إشارة إلى هذا الانذار بتمويله قروض مباشرة لشركات أميريكية عادية عن طريق شراء "أوراق تجارية" وبتمويل فعالي لها كما أزمة الائتمان هددت بقطع مصدر رئيسي من تمويلها. كما عملت الحكومة البريطانية الى دعم كامل، ولكن ليس للسيطرة، للنظام المصرفي البريطاني عن طريق شراء "أسهم تفضيلية" وبتدفق الأموال، وخفضت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والصين وبريطانيا اسعار الفائدة بمقدار 0.5٪.

ولكن هذه التدابير لم تحقق الاستقرار الفوري في الأزمة المالية. وزير الخزانة الامريكي هنري بولسون قد قال انه يتوقع انهيار المزيد من الشركات المالية الأميريكية بالرغم من برنامج كفالة ال700 دولار. ولكن حتى لو استقرت معظم المؤسسات المالية في نهاية المطاف، فإن هذه الأزمة قد تؤثر بالفعل على النطاق الأوسع من الاقتصاد الحقيقي. فى نفس الوقت تقريبا مع منسق تخفيضات جديدة لأسعار الفائدة جاء تقرير صندوق النقد الدولي محذرا من أن "الاقتصاد العالمي يدخل النقص الكبير المسجل في مواجهة أخطر صدمة مالية في الأسواق المالية الناضجة منذ سنين الثلاثينات من القرن الماضي".

إن آثار هذا الاضطراب ظاهر حاليا في الاقتصاد الحقيقي. تدخل المزيد من البلدان، ومؤخراً فرنسا، الركود رسمياً، ووفقاً لتعريف خبراء الاقتصاد الرأسمالي عن الأشهر الستة من التراجع الاقتصادي. في الولايات المتحدة، قفزة هائلة في البطالة ذكرت الاسبوع الماضي. وينتشر تسريح العمال وتعليق العمل، ولا سيما في مجال صناعة السيارات، كما تشير أمثلة مؤخرة من فورد الأوروبية وأوبل وفولفو.

هذا الأثر ليس من قبيل الصدفة وليس فقط بسبب التجميدات المالية التي أنتجته الأزمة المصرفية. هناك على المدى الطويل عوامل تحد بشدة من انتعاش الركود القادمة. جزء من سبب هذه الحالات الطارئة هو تزايد سيطرة مالية رأس المال الموجود داخل الرأسمالية. كما قالت الCWI دائما، إن ذلك قد أسفر عن الصفقات المالية والمضاربة التي أصبحت أكثر وأكثر المصدر الرئيسي للربح، وليس فقط بالنسبة للمصارف بل أيضا بالنسبة لكثير من الصناعات التحويلية اسميا أو الشركات التجارية. في الحملة لتحقيق أرباح مادية، "أدوات مالية" غريبة أنشئت أكثر وأكثر. في أيسلندا، دفع الرأسماليون ذلك للتطرف. مع ذلك يجري الكشف علنا أن العديد من هذه "الاستثمارات" في جوهرها مبالغ بقيمتها أو حتى لا قيمة لها بالرغم من أن البعض منها كان على أساس رياضيات معقدة.

"الإبداع" المالي هو جزء واحد فقط من متاعب الرأسمالية الحالية. الأهم مما شهدنا خلال العقدين الماضيين هو تزايد الاعتماد على الديون والقروض لتمويل الاستهلاك الذي كان القوة الدافعة للنمو في الولايات المتحدة والاقتصاد الاكبر في العالم. استخدمت الرأسمالية الائتمان بتواتر لتوسيع السوق، ولكن هذا له حدود كما أنه في نهاية المطاف لا بد من سداده. ولكن هذه المرة استُخدم على نطاق واسع خلال العقدين الماضيين للتغلب على الأزمات، وإطالة مدة النمو، وأيضا للتغلب على آثار اعتداءات الليبرالية الجديدة، العالمية تقريبًا، على مستويات المعيشة. بينما في كثير من البلدان الأجور الحقيقية لا تزال تقلص خلال الازدهار، تمكنت الأسر من توسيع الاستهلاك من خلال الديون والائتمان والزيادة في عدد النساء العاملات.

مهما حدث الآن للمصارف الفردية والمؤسسات المالية، إنها من الواضح، وعلى الأقل لفترة طويلة، نهاية أيام الائتمان التي غذت مندفعة أكثر من طلب المستهلكين مع الارتفاع النسبي في معدلات النمو في العالم خلال السنوات القليلة الماضية. إن وهم العقود القليلة الماضية أن الدين يمكنه أن يمول حياة جيدة مكسور الآن؛ الاقتراض في المستقبل سوف يكون محدود أكثر. هذا هو سبب عدم حدوث "فصل" الاقتصاد العالمي المأمول من أنحاء مختلفة. إن الديون وأزمة السكن ووضع الركود بالفعل تضعف قوة المستهلكين في الولايات المتحدة الذين يشكلون أكثر من 30٪ من الاستهلاك الخاص في العالم. أوروبا الغربية، مع أقل قليلا من 30٪، ليست في وضع يسمح لها تحمل الركود واقتصادها يتباطأ بحدة مع مختلف البلدان التي تواجه خلائط من هبوط الإنتاج والمالية وأزمات السكن.

والحقيقة أن هاتين المنطقتين التين تشكلان حوالي ثلثي من طلب المستهلكين في العالم تعانيين بالفعل من الركود أو التباطؤ السريع يعني أن هناك نطاق صغير جدا للبلدان الأخرى، بما فيها البلدان التي حلت، لأن تقدم المزيد من طلب الأسواق لتحل محل الولايات المتحدة وأوروبا. ومن ثم نشهد انخفاضًا حادًا في اسعار البترول والمواد الخام وكذلك معدلات الشحن كما ينخفض الطلب. وحتى لو تجنب الكساد، وفي أحسن الأحوال، الاقتصاد العالمي بعد الركود من المحتمل أن ينمو ببطء شديد مما سوف يشعر الملايين به مثلما يجري في الركود.

واضح أن هذه الأزمة قد فتحت الانقسامات الرئيسية بين البلدان الامبريالية. فمن ناحية، كانت هناك أمثلة للحكومات التي تحاول العمل معا، على سبيل المثال خفض سعر الفائدة الذي نٌسق في 8 تشرين الأول/أكتوبر، ولكن أيضا في نفس الوقت كل من الطبقة الرأسمالية قد تعمل للدفاع عن نفسها ومصالحها الخاصة. في أوروبا، وخاصة ألمانيا، هناك بالفعل حملة لإلقاء اللوم على الدول "الأنجلوسكسونية" الرأسمالية لهذه الكارثة، بينما في بريطانيا اللوم تحول الى الولايات المتحدة.

في غضون 24 ساعة وفي نهاية الاسبوع الماضي حاولت الدول "الاربعة الكبرى" في الاتحاد الاوروبي تقديم جبهة مشتركة فتوقفت المحاولة عندما قالت الحكومة الالمانية انها ستحمي وتحرس الودائع في المصارف الألمانية، بعد أيام فقط من استنكار الحكومة الايرلندية للقيام بنفس الامر. ولكن حتى هذه "التأكيدات" من جانب المستشارة الالمانية انجيلا ميركل خُففت بسرعة باسم "الالتزام السياسي"، وليس شرطًا قانونيًا.

في الواقع، حتى الآن، لم يكن هناك سياسة انقاذ موحدة في منطقة اليورو. وأثبتت هذه الأزمة ما قالته الCWI منذ فترة طويلة وهو أن الضعف الأساسي في قلب منطقة اليورو هو التناقض بين عملة واحدة و 15 حكومة مفصولة تواجه ظروف اقتصادية متضاربة. لبقاء العملة الموحدة على قيد الحياة، لا بد أن يكون هناك سياسة موحدة، ولكن هذا لا يحدث في الاتحاد الأوروبي في هذه الأزمة. وفي حين أنه قد لا يحدث على الفور، العديد من المعلّقين وصلوا إلى نفس الموقف كالCWI، وهو أن هناك احتمال في المستقبل من تفريق منطقة اليورو، أو على الأقل، ترك بعض البلدان. الطريقة التي يمكن أن تعمل الحكومات الوطنية فيها للدفاع عن ما تعتبره مصالح خاصة بها وبالرأسمالية الوطنية، كانت ظاهرة عند الحكومة الهولندية عندما قامت بخطوة من جانب واحد لتأميم الأجزاء الفاشلة من البنك البنلوكس وفورتيس داخل هولندا مما أثار غضب حكومات بلجيكا واللوكسمبورغ إلى حد كبير.

التدابير العاجلة التي تقوم بها الحكومات تظهر مرونة الرأسمالية عندما تواجه تهديدًا. بصورة متزايدة وبسرعة تنفذ الحكومات تحول مفاجئ في محاولات لاحتواء وبعد ذلك اخماد النيران المالية، وبالتالي هناك حكومات ما كان تعرف سابقًا بكونها مع "السوق الحر" وتدخل الآن وتؤمم. كل من هذه الكارثة و من اتخاذ الدول هذه التدابير تكشف ضربة لإيديولوجية اللّيبرالية الجديدة المهيمنة على مدى العقدين الماضيين. وهي ضربة لعقائدي كل من الطبقة الحاكمة و لقادة العمال السابقين "الإصلاحيين" الذين تبنّوا بحماس السوق خلال العقود الماضية.

ولكن هذه التدابير الدولية المختلفة والتأميم ليست من الطابع الاشتراكي. ففكرة اتخاذ هذه الخطوة من قبل جميع الحكومات ليست لبدء التخطيط الديمقراطي لاستخدام هذه الموارد الاقتصادية، ولكن لاتخاذ تدابير من طابع "الدولة الرأسمالية" لدعم النظام. كما أوضح هذا الاسبوع هلمر كوبر، الرئيس السابق لبنك دويتشه، "البنوك المضطربة لا ينبغي أن تتلقى ضمانات، بل ينبغي أن تؤمم… بالنسبة للحكومة هذا في الواقع يمكن أن يؤتيها بثمار: هي تشتري خلال الأزمة وتبيع عندما يتحسن الوضع". من الواضح أن كوبر يتطلع إلى المثل السويدي في أوائل التسعينات، ولكن اليوم الأزمة المصرفية مختلفة وأكثر صعوبة للحل، فليست في بلد واحد صغير خلال فترة من النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم.

إن الأزمة، إلى جانب رد الحكومات عليها، قد طعنت وأضعفت بصورة أساسية حجة "تينا" القائلة بأن "لا يوجد بديل" إلى "السوق". المناقشة حول سواء دور الدولة الاقتصادي أو على الرأسمالية نفسها قد أعيدت وفتحت. الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات الأوروبية لن تكون ببساطة قادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وأن تقول أن السوق يجب أن يترك وحده. عندما تواجه شركات أخرى أزمات سوف ينشأ حتمًا للدولة طلب باتخاذ إجراءات للدفاع عن هذه الوظائف أيضًا. الحقيقة بأنه لا يمكن أن يكون "اللوم" على الطبقة العاملة لهذه الأزمة الاقتصادية سوف تجعل الاستجواب أن يكون حول الرأسمالية ولمصلحة الاشتراكية البديلة.

في مواجهة الركود يكون هناك مطالب للعمل الحكومي. بالفعل في بعض البلدان هناك من ينادي حاليًا لتدابير كينزية وباستخدام أسلوب التمويل بالعجز لتمويل الانفاق الحكومي وبزيادة أجور أعلى لتعزيز الاقتصادات. هذه الدعوات سوف تصبح أعلى الصوت بكثير عندما تتعمق الركود. بالفعل يشار الى المليارات المتعددة التي وضعت لمساندة القطاع المالي ولمحاولة وقف "الانهيار" الاقتصادي كأمثلة ينبغي اتباعها لحماية فرص العمل والسكن والصحة والتعليم والبيئة والى آخره.

في مواجهة مجموعة من الأزمات الخطيرة وتحت ضغط من الاسفل قد تتخذ بعض الحكومات التدابير لمحاولة تحفيز الاقتصاد أو تخفيف آثار الركود. وعلى الارجح ان يكون في البداية استقبال شعبي لهذه التدابير مع نظرة إغاثة من خطورة الأزمة ففي الواقع إن معظم قادة النقابيين يدعون اليها. ولكن مثل هذه الخطوات لن تؤدي في أحسن الأحوال الى تأثير محدود. الحسومات الضريبية التي عرضها بوش في كانون الثاني / يناير 2008 والتي كانت بمبلغ قيمته 165 مليارات لم تحل هذه الأزمة الاقتصادية الامريكية. ولكن هناك حدود لمدى "المال" التي يمكن للحكومات أن "تخلقها" أو تطبعها دون المخاطرة في التضخم النامي أو الركود. وعلاوة على ذلك، في حين أنه ممكن اتخاذ بعض الإجراءات الرمزية ضد عدد قليل من الطبقة العظمى أو المصرفيين الاغنياء، ففي نهاية اليوم سوف تسعى الطبقات الحاكمة لتضمن أن يدفع العمال والطبقات المتوسطة ثمن أزمة صنعتها بأيديها.

بالفعل هذه الأزمة لها آثار عميق. جمع بين مزاج من الخوف والغضب يأخذ ظهوره. بالفعل ملايين فقدوا وظائفهم أو المنازل في جميع أنحاء العالم ومعظم من سكان العالم يعانون زيادات هائلة في أسعار الوقود والغذاء. وهناك مخاوف على نطاق واسع أكثر من فرص العمل، السكن، والمعاشات التقاعدية والمدخرات.

الخوف من البطالة يمكن أن يسهم نقابات العمال في تأثير مذهل ومؤقت، على الأقل في أماكن العمل. هذا قد كان عامل في الاستجابة المحدودة لدى بعض العاملين الفلمنكيين في القطاع الخاص في بلجيكا عند الاضراب العام في 6 تشرين الأول / أكتوبر. ولكن هذا لا يعني عدم وجود غضب في أماكن العمل، غضب سوف يزيد عندما يصبح أكبر من الواضح ان الرأسمالية سوف تحاول تفريغ تكاليف هذه الأزمة على خلف الطبقة العاملة، وأقسام من الطبقة الوسطى أيضا. بالفعل بعض الرؤساء انتقلوا إلى الهجوم الوحشي على أجور العمال وشروط وظائفهم في محاولات تغلّب على الركود، كما شاهدنا في آير لينكوس، حيث أعلنت هيئة العمال فجأة اقالة ربع القوة العاملة خلال ثلاثة أسابيع. وإذا كان العمال لا يشعرون بالثقة للمقاومة في أماكن العمل فإن الغضب سوف يظهر في الانتخابات وغيرها من أشكال احتجاجية.

في جميع أنحاء العالم هناك، بطبيعة الحال، حالات مختلفة في كل بلد. البعض سيتأثر، أكثر أو أقل، من جانب الركود القادمة. ولكن ما ذهب هو الفكرة أن "السوق هو الأفضل.

في البلدان الستالينية السابقة، ستكون هذه أول تجربة ركود عالية منذ استعادة الرأسمالية في مطلع التسعينات. بالنسبة لبعض البلدان، مثل دول البلطيق، فإنهم يواجهون صعوبة هبوط كبيرة. في روسيا في الآونة الأخيرة قوضت آمال كبيرة على الاستقرار الاقتصاد والنمو. سوف يجد العمال من دول أوروبا الوسطى والشرقية الذين انتقلوا الى الغرب بحثًا عن العمل أنه الآن أكثر صعوبة وضغوطات لقبول أجور أقلّ. وسوف تنتج هذه التجارب تسائل حول الآمال والأوهام التي تكوّنت خلال ازدهار الرأسمالية المتقدّمة.

يمكن اعتبار تطوّر الصين من الأهمّ بما أنها شهدت إنشاء أكبر طبقة عاملة في العالم، طبقة عاملة جديدة كانت عامّة حتى الان ترى فقط نمو اقتصادي، ولو في كثير من الأحيان على أساس انخفاض الاجور واستغلال قاسي. حيث العالم يواجه الركود، مجرد تباطؤ هام في الاقتصاد الصيني يمكن أن يؤدي إلى آثار متفجّرة والى بداية إنشاء حركة عمّالية مستقلّة.

كذلك يمكن حدوث اضطرابات هائلة في بلدان مثل البرازيل والهند التي شهدت مؤخّرًا نموّ اقتصادي وكذلك في البلدان الأشدّ فقرًا في افريقيا وآسيا وأميريكا اللاتينية. التظاهرات التي جرت حول الغذاء في وقت سابق من هذا العام كانت مجرّد اشارة على احتمال اندلاع احتجاجات ضد ارتفاع الفقر والبؤس في جميع أنحاء العالم التي سيسببها الركود.

ولكن الوضع في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من البلدان الامبريالية لن تكون هادئة لفترة طويلة. حتى وإن لم يكن هناك سوى قدر محدود من العمل النقابي في بعض البلدان، قد يكون التأثير السياسي هائل. العمّال وأقسام من الطبقة المتوسّطة يلقون اللوم على المصرفيين والحكومات والطبقة الحاكمة في هذه الأزمة. هذا التدهور المالي والركود سوف ينتجان مشاعر فياضة من الاستياء والغضب، ولا سيّما بسبب هذه الأحداث التي تأتي بعد سنوات من تزايد الاستقطاب الاجتماعي، والربح السريع للشركات والاجور العالية للمدراء. سيكون هناك طلبات متزايدة ل"كفالات" لفئات الشعب العاملة وللخدمات العامة.

في هذه الحالة من الضروري أن تقدم الحركة العمالية مخرجًا للطبقة العاملة والفقراء والشباب والطبقة الوسطى التي تعرضت للأزمة. يجري حاليًّا موضع تساؤل حول النظام برمّته من الأحداث الصادمة في طبيعة هذه الأزمة. لم يعد يتكلم الاقتصاديون عن أيام "سوداء" (هناك عدد كبير جدا)، ربما قريبًا سيكون هناك حديث عن "أشهر سوداء" أو حتى "سنوات سوداء.

في معظم بلدان العالم لا يوجد حاليًا أحزاب عمالية أو يسارية تقدم بديل. معظم الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية السابقة والأحزاب الاشتراكية وعدة أحزاب شيوعية أصبحت أحزاب مؤيدة للرأسمالية كلياً وخسرت قواعدهم العمالية، ولكن بعض العمال ما زالوا يصوتون لها. يعني ذلك أن الرأسماليون لا يتحداهم أحد حالياً رغم أن نظامهم خلق هذه الازمة.

هذه الازمة تدل بشدة على أن الحاجة ملحة لخلق أحزاب عمالية جديدة وهو ما تدعو اليه اللجنة لاممية العمال منذ زمن.

فمثل هذه الاحزاب، ومع النقابات، يمكنها وضع برنامج طارئ دفاعاً عن الوظائف والبيوت ومستوى المعيشة والشيخوخة وادخار العاملين، ويمكنها تفسير البديل الاشتراكي للرأسملية. إن استعمال كلمة اشتراكية في الولايات المتحدة من قبل الجناح اليميني الجمهوري كإهانة لخطة انقاظ الحكومة هو دليل على أن ليس هناك من حزب اشتراكي ليتحدى الرأسمالية. حتى هذا الاتهام الغبي يعطي اعتراف بأن الاشتراكية هي البديل الحقيقي للرأسمالية.

ولكن اذا الحركة العمالية لا تقدم برنامج نضالي اشتراكي فهناك خطر من اليمين والشوفينيين والاحزاب الشعبوية الدينية من استغلال الغضب وتحويله بعيداً عن استخلاص استنتاجات للاشتراكية وعن تحدّي الرأسمالية. في أوروبا هناك خطر من التناقض بين المانيا، حيث حزب اليسار المناضل ضد الليبرالية الجديدة حصل على 15٪ في استطلاعات الرأي، والنمسا التي ليس فيها حزب يساري وحيث نال اليمين المتطرف على 28٪ في الانتخابات العامة في أيلول سبتبمر من العام الحالي. ولكن حتى مثل هذه التطورات في النمسا سوف تضع بأكثر حدة على جدول الاعمال بناء قوة عمالية ضد اليمين.

ان الآفاق الاقتصادية على وجه التحديد غير واضحة. انه غير مؤكد مدى عمق الكساد ولكنه سيكون قاسي وطويل حتى لو كان ممكن تجنب الاسوأ. انه من المحتمل أن يكون "الانتعاش" من هذا بطيء، مما يقارب الركود وليس تكرار ازدهار ال15 سنة الماضية. الاسبوع الماضي كتب غاري يونغ في جريدة لندن جارديان أن " "الرأسماليون يمكنهم شراء أنفسهم من أي أزمة طالما أن العمال هم من يدفعون، كما قال لينين". نادراً ما يعتبر وصف قول لينين سليم في شركة مهذبة، فهذا الوصف هو أسلم وصف سمعته منذ زمن طويل". هذا سيكون الأساس لصراعات طبقيّة جديدة في خلفية السوق فإن الرأسمالية ستكون أكثر فأكثر في موضع شكّ.