socialism.org.il
تونس
النظام في حالة اضطراب
إنتفاضة شعبية جماهيرية أجبرت زين العابدين بن علي على الفرار من البلاد
سدريك جيروم، CWI
2011/01/15 11:28

تونس بلد مختلف اليوم عن ذلك الذي كان قبل شهر، بسرعة البرق خلعت الحركة الثورية القوية الجماهيرية التونسية الرئيس الديكتاتوري زين العابدين بن علي، ما يشهد على الغضب المتراكم نتيجة عقود من الحكم الاستبدادي، وتحول الخوف من الحديث في السياسة إلى عملية ضخمة من الهياج السياسي — وبدأت الثورة. فأصبحت أيام بن علي الديكتاتورية من الماضي!

تونس، التي كانت لسنوات تُقدر من قبل المعلقين الرأسماليين والبلدان الامبريالية كالنظام الأكثر استقراراً في المنطقة وكـ"نموذج للتنمية الاقتصادية" وفقاً لرئيس صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس خان منذ شهر فقط، فقد أظهرت الجنّة السياحية بشواطئها الرائعة في البحر الأبيض المتوسط وجهها القبيح، وفضح استخدام العنف لسحق الثورة الجماهيرية الحقيقية أحد أكثر الأنظمة قمعاً في المنطقة.

الحركة الثورية التي تطورت خلال الشهر المنصرم في تونس لها أهمية تاريخية كبيرة لجماهير العالم العربي وللعالم بأسره، ففي حين أن في معظم البلدان في جميع أنحاء العالم هناك سياسات تقشف وارتفاع أسعار للمواد الغذائية تؤثر على الجميع، يمكن لتونس أن تصبح مثالاً للناس العاملين والشباب. هذه الحركة هي أكبر اضطراب اجتماعي هز الدكتاتورية التونسية منذ أكثر من ربع قرن وربما في تاريخ البلاد بأكمله.

وفشلت جميع المحاولات المتتالية التي أدلى بها بن علي في محاولة يائسة لتهدئة الوضع، وفقد حكمه العشائري أي نوع من الدعم الشعبي. وبعد أن حل الحكومة بأكملها وأعلن انتخابات تشريعية جديدة في غضون 6 أشهر وأعلن حالة الطوارئ، هرب أخيراً الرئيس المكروه من البلد بينما كان المتظاهرون يمزقون ابتهاجاً صوره العديدة والكبيرة التي كانت "تزين" واجهات العاصمة.

موجات صدمة في المنطقة بأسرها

وقد أدى الصراع الملحمي للشباب والعمال التونسيين موجة من الذعر في أوساط الأنظمة المجاورة، وكذلك بين الحكومات وحلفائها الغربية في أوروبا والولايات المتحدة. ومن المرجح أن تترك تعليقات الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي رحب بـ"شجاعة وكرامة الشعب التونسي" مذاقاً مراً لدى العديد من التونسيين الذين ناضلوا بلا كلل ضد الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة. أوباما بطبيعة الحال يحتفل بأمر واقع بالفعل على أمل ضمان نتيجة موالية للإمبريالية. إنه وجماعته لا يتخذون أي مبادرة لانتقاد الأنظمة الصديقة أو العميلة، وبالتالي واشنطن لم تقل شيئاً عن التزوير الفاضح للانتخابات المصرية العام الماضي.

وبنفس الطريقة خلق رد فعل الحكومة الفرنسية الصامتة للاحتجاجات والقمع في المستعمرة السابقة في شمال افريقيا غضباً معارضاً من مجتمعها المغربي العربي الكبير. ومرة أخرى كشف بيان وزير الخارجية الفرنسي ميشيل اليو ماري — الذي اقترح أن تتعاون فرنسا مع الحكومة التونسية لـ"إعادة الأمن"، مشيراً حتى إلى الخبرة والمعرفة لدى الدولة الفرنسية في هذا المجال — الطابع الحقيقي للسياسة الخارجية الفرنسية والحرج لدى طبقتها الحاكمة التي ترى تهديداً لاستثماراتها في إحدى بؤرها الاستيطانية في المنطقة.

وقد فتحت الانتفاضة التونسية فصلاً جديداً من التطورات الثورية في العالم العربي يمكنها أن تنتشر ضد الأنظمة الدكتاتورية المجاورة. ولم تكن مصادفة في الأسبوع الماضي أن حكومات الأردن والمغرب والجزائر وليبيا اتخذت جميعها تدابير لخفض أسعار المواد الغذائية خوفاً من تطورات مماثلة تجري في بلدانهم. "
"كل زعيم عربي يراقب تونس خوفاً في حين أن كل مواطن عربي يراقب تونس بأمل وتضامن" هذا ما قاله معلق مصري نقلاً عن جريدة الغارديان (لندن) يوم 15 يناير.

إن الثورة التي بدأت في مدينة صغيرة من سيدي بوزيد في منتصف ديسمبر وانتشرت بسرعة النار إلى أجزاء مختلفة من البلاد ومدت أبعد من المظالم المطلبية ضد البطالة. ولم تظهر أي علامات استنفاد على الرغم من كل 'التعرج' ومن التحركات اليائسة التي أبداها نظام بن علي في صراعه من أجل البقاء. وأدت دورة القمع الوحشية التي كانت تديرها الشرطة بموجب أوامر من الزمرة الحاكمة إلى أكثر من 70 قتيلاً وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان. وأظهرت التقارير عن إطلاق النار بالذخيرة الحية من قبل الشرطة في جنازات المتظاهرين الذين قتلوا في الأيام الماضية مدى استعداد هذا النظام كي يحفظ على قبضته على السلطة. هذه الموجة من العنف هي نموذجية لنظام بقاؤه على المحك، ولكن قد ساعد العنف في إثارة غضب العمال والشباب. ولم يكن هذا فقط هو الحال في تونس نفسها ولكن أيضاً في أجزاء كثيرة من العالم حيث دعت نشاطات تضامنية إلى نهاية القمع وتصاعدت في الفترة الأخيرة.

وبعد أن فقدت الجماهير التونسية خوفها من النظام الذي كان ينعزل أكثر فأكثر، ارتفعت الانتفاضة في كل ركن من أركان البلاد. وابتداء من الثلاثاء أصيبت الحركة العاصمة تونس والمعقل الاقتصادي للبلد والتي نجت في الأسابيع الأولى من انتشار الحركة ومن الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت في أفقر المقاطعات الداخلية الوسطى والجنوبية. "إننا لسنا خائفين، إننا لسنا خائفين!" كان مئات الشباب يصيحون وينتفضون ويهاجمون المباني الحكومية المحلية في حي للطبقة العاملة في تونس العاصمة ذلك اليوم. ورداً على ذلك أمرت الحكومة بفرض حظر غير محدود للتجول بين الساعة 8 مساء حتى 5:30 صباحاً في العاصمة ونشرت في البداية ليلة الثلاثاء وحدات من الجيش والعربات المدرعة في جميع أنحاء المدينة. ولكن هذه التدابير لم تكن فعالة بشكل كبير لأن الآلاف من الناس تحدوها بشجاعة منذ الليلة الأولى. وغيّر الخوف مخيمه وانتقل إلى النخبة الحاكمة.

انقسامات في الحزب الحاكم

في الأيام الأخيرة، أعرب بعض الوزراء أو وزراء سابقون وسياسيون آخرون من داخل حزب الرئاسة التجمع الدستوري الديمقراطي عن انتقادهم العام والمتزايد ضد كيفية تعامل بن علي مع الاحتجاجات، وعبرت هذه الانقسامات في الحكم عن الضغط والغليان من الأسفل مع محاولة بعض شخصيات النظام تحضير لفترة "ما بعد بن علي" من خلال الاستفادة من الحركة الجماهيرية. وأصبحت أجزاء من النخبة الحاكمة مستعدة لأن تحاول أن تتخلص من الرئيس بن علي من أجل حفظ مصالحها الخاصة وأملاً بتهدئة ثورة الجماهير، وكأنها كانت تعطي العظام لكلب على أمل تهدئته.

ما عكس هذه الانقسامات المتزايدة كانت التقارير التي تحدثت أيضاً عن التوترات النامية في الجيش. وتمت إزالة قائد الجيش الأعلى رشيد عمار يوم الأحد 9 كانون الثاني / يناير وذلك بسبب رفضه إعطاء أوامر لجنوده لقمع الاحتجاجات، وبسبب انتقاداته ضد استخدام للقوة المفرطة ضد المتظاهرين. وازدادت التحركات المماثلة بشكل خاص في أوساط الجنود الذين رفضوا إطلاق النار على إخوانهم وأخواتهم من الطبقة العاملة، وفي بعض المناطق اختلطوا مع المتظاهرين ليحموهم من الشرطة.

وكان هذا سبب سحب الجيش من تونس العاصمة بحلول نهاية يوم الخميس لتحل محله قوات الشرطة وقوات الأمن الأخرى التي تعتبر عموماً أكثر ولاء للنظام الحاكم. ولكن حتى القطاعات في الشرطة تأثرت من جانب الحركة الجماهيرية. ونشرت "نيويورك تايمز" قصة ضابطي شرطة وجها المتظاهرين الغاضبين بعيداً عن مهاجمة مركز للشرطة في تونس العاصمة وأقنعاهم بالذهاب إلى القصور الغنية لدى أقارب الرئيس. وقال متظاهر "رجال الشرطة كانوا فقراء مثلنا. وقالوا نرجوكم اذهبوا إلى القصور لأن هذا أكثر منطقية".

ويجب أن تستغل الثورة الانشقاقات داخل جهاز الدولة من أجل تعزيز قواتها. ففي الواقع وعلى الرغم من رحيل بن علي فإن جهاز الدولة القديم مع آلته القمعية الضخمة قد بقي في جوهره. وتم نشر من قبل الدولة التونسية ما بين 80000 و120000 شخصاً خارج الجيش بحسب بعض التقديرات لضمان السيطرة على الشعب. ورغم مناخ النشوة الموجود بسبب رحيل بن علي، فالعملية الثورية قد بدأت فقط ويجب أن تواجه كل المخاطر التي تنتظرنا مع سياسة صحيحة. القوى الرجعية الفاسدة من داخل أو خارج جهاز الدولة يمكن أن تحاول أن تستغل حالة الارتباك العام لاستعادة المبادرة وأن تنظم عنفاً خانعاً ضد القوى التقدمية والنقابيين والمتظاهرين الشباب، الخ.

لمواجهة هذا الوضع ينبغي بذل نداء طبقي إلى جنود قوات الدولة من أجل كسبهم إلى جانب الثورة. إن إنشاء لجان منتخبة حقاً من الجنود يجب أن تكون جزءاً من هذه العملية من أجل تنظيف الجيش من جميع العناصر الرجعية ومن الناس الذين تعاونوا مع النظام القديم.

وتدور الآن تقارير حول عصابات تعمل في النهب وسرقة المنازل والمحال التجارية وإشعال النار في مبان ومهاجمة الناس جسدياً. وهناك شكوك كبيرة بأنها تتألف من الشرطة وقوات الأمن والمجرمين السابقين الذين تعاقدت معهم زمرة بن علي من أجل إظهار أن بدون بن علي "تسود الفوضى" ولمحاولة إلقاء اللوم على المتظاهرين المسالمين. من ناحية أخرى، يتم استخدام مسألة "القانون والنظام" من جانب السلطات المؤقتة في محاولة لتبرير الإبقاء على حالة قانون الطوارئ والأحكام العرفية وفرض قيود كبيرة على الحريات المدنية. لذا يجب التحدي على حد سواء من خلال تشكيل لجان عمالية مسلحة وديمقراطية كقوات دفاع من أجل حماية الأحياء والناس والاحتجاجات ضد أي عنف تعسفي ومن أينما كان قادم. وأفيد أن في المدينة الساحلية الشمالية قمرت يتم تنظيم من قبل السكان في منطقتهم حماية ذاتية ضد ميليشيات النظام. يجب تبني مثل هذه المبادرات في كل مكان من أجل ضمان الأمن ضد أي انتقام من العناصر الرجعية.

سياسات بن علي المتعرجة لم تنقذه من النهاية المغمورة

في محاولة يائسة لكسب نوع من الإغاثة أقال بن علي وزير داخليته رفيق بلحاج قاسم — رئيس قوة الشرطة التونسية — يوم الأربعاء في محاولة لتقديم كبش فداء للجماهير. ولكن هذا العمل وكما هو الحال مع عمليات إزالة وزراء سابقين لم تراضٍ روح ورغبة الانتقام التي تطورت بين الجماهير التونسية. ثم حاول بن علي وضع المزيد من الضغط على "الجزرة" بدلاً من "العصا" كرد على التمرد وهو يتداول تنازل بعد الآخر.

ووعد خطابه المتلفز ليلة الخميس بعدم الترشح لولاية جديدة في منصبه في 2014 وطلب من القوات وقف إطلاق النار بالذخيرة الحية ضد المتظاهرين معلناً نهاية الرقابة على الإنترنت والحرية الكاملة لوسائل الإعلام وأكثر "تعددية سياسية" وإجراء تخفيضات في سعر الحليب والخبز والسكر، وهو منعطف من السياسة المعتمدة سابقاً. لكن التدابير لم تضع حداً للغضب ولكن عززت هذه العلامة الواضحة بالنسبة لضعف النظام الحاكم ثقة وإرادة الحركة وشحذت مشاعر قواتها وفتحت بوابة الاحتجاجات ودفعتها في اتجاه أكثر راديكالياً. وقد تجلى ذلك من خلال عرض لم يسبق له مثيل عندما تظاهر الآلاف في شارع بورقيبة في تونس يوم الجمعة وهم يهتفون "لا لبن علي، الانتفاضة تستمر!" و"لاغتيال بن علي" و"بن علي إرحل! و"يلا يلا يلا إرحل إرحل إرحل،… لقد انتهت اللعبة!"، وهم يطالبون بن علي بالتخلي الفوري عن السلطة.

وكان من الواضح أن التنازلات التي قدمها بن علي كانت تغييرات شكلية فقط اقتُرحت في محاولة يائسة من جانب الحكومة لتجنب تقدم النضال وتهديد أسس المصالح الرأسمالية. وفي الواقع في حين أن إزالة بن علي من السلطة قد أصبحت جزءاً مهماً من مطالب الحركة، لقد كان وراء تلك الدعوة وحتى لو لم يكن ذلك بالضرورة صياغتها بشكل واضح أن النظام كله الذي كانت تستند عليه سلطة بن علي هو موضع تساؤل.

وأصبحت قبضة حكم بن علي وأسرته التي كانت في السيطرة من خلال محسوبية وفساد وابتزاز هائل للثروات والأنشطة التجارية المربحة في البلاد رموزاً لسلطة متغطرسة وفاسدة لأغنياء الطبقة الرأسمالية التونسية. "لا، لا للطرابلسيين الذين نهبوا الميزانية!" كانت هذه إحدى الشعارات الأكثر شعبية والتي استهدفت زوجة بن علي الثانية ليلى الطرابلسي وعائلتها التي تملك حصصاً كبيرة في العديد من الشركات التونسية. ويبدو أن نصف مجتمع الأعمال التونسي يستطيع أن يدعي القرابة من بن علي من خلال الزواج، ويسجل أن العديد من هذه العلاقات جعلت معظم نسبهم حسبما ذكرت برقية مكتوبة من قبل السفير الأمريكي والذي صدر مؤخراً من قبل ويكيليكس. ووفقاً لبعض التقارير يوم الخميس كان بعض أقاربه قد غادروا البلاد خوفاً من عواقب الحركة الثورية. وكان هذا هو الحال على سبيل المثال من صهر الملياردير بن علي محمد صخر الماطري الذي لجأ إلى دارتهم الفاخرة في مونتريال.

ما آفاق الحركة؟

وقد تم الآن تحقيق إزالة بن علي ولكن للأسف حتى الآن ليس هناك قوة سياسية للطبقة العاملة واضحة ومستقلة يمكن أن تقود الغضب العفوي بشأن ما ينبغي عمله وبشأن اتخاذ مبادرات من أجل تحقيق ثورة سليمة سياسية واجتماعية تحول المجتمع التونسي. ولتحقيق ذلك يجب أن يتم القطع مع الرأسمالية وبداية بذل خطة تجديد للمجتمع على أسس اشتراكية لتحقيق مصالح الأغلبية من إقامة العدالة الاجتماعية الحقيقية ومعالجة مشكلة البطالة من خلال منح وظائف لائقة للجميع وتلبية التطلعات طويلة الأمد من أجل الحقوق الديمقراطية الحقيقية.

إن غياب قيادة مسلحة ببرنامج اشتراكي واضح وغياب قيادة قادرة على شرح ما هي الخطوات التالية اللازمة لدفع الحركة إلى الأمام، يمكن أن يؤدي إلى انحسار مؤقت في الحركة. و يترك الفراغ السياسي الباب مفتوحاً أمام إمكانية محاولة جميع أنواع القوات استغلال الوضع لصالحها. وفي مثل هذه الحالة، لا يُستبعد انقلاب من قبل جزء من الجيش يقدم نفسه على أنه "منظف ديمقراطي للساحة". ويمكن لهذا الانقلاب حتى أن يستفيد لبعض الوقت من بعض التأييد الشعبي. ومن ناحية أخرى فإن بعض زعماء المعارضة البرجوازية الذين كانوا يحاولون بالفعل تصوير خطاب بن علي الأخير باعتباره "مقدمة" من الحكومة سيحاولون التدخل واستخدام غيابهم السابق من المكتب السياسي للحفاظ على النظام القديم (وكان زعيم معارضة تونس الرئيسية نجيب الشابي من الحزب الديمقراطي التقدمي قد وصف خطاب الرئيس بأنه "جيداً جداً"، في حين أن مصطفى بن جعفر رئيس المنتدى الديمقراطي للعمل والحريات قد قال أن خطاب بن علي"يفتح الاحتمالات").

وليلة الجمعة بعد أن قال رئيس الوزراء محمد الغنوشي أنه كان سيتولى منصب الحاكم لأن بن علي كان "غير قادراً مؤقتاً على أداء واجباته"، وردت أنباء عن استمرار الاحتجاجات خارج وزارة الداخلية داعية باستقالة الغنوشي على الفور. وفي وقت لاحق، أعلن المجلس الدستوري أن زعيم مجلس النواب فؤاد مبازعة سيكون الرئيس المؤقت. ويتطلب الدستور أن تجري انتخابات رئاسية جديدة في موعد لا يتجاوز 60 يوماً من الآن. وهؤلاء الناس يستعدون لطعن النضال البطولي للجماهير في الظهر! الغنوشي خبير اقتصادي أمضى حياته السياسية كلها إلى جانب الرئيس بن علي، في حين أن مبازعة هو أيضاً جزء من النخبة السياسية الفاسدة نفسها. وكما لاحظ يوسف جيجي، ناشط تونسي نقلت عنه قناة الجزيرة أن "الناس لا يعرفون ما إذا كان يمكنها أن تثق بهذا الرجل لأنه كان أيضاً جزءاً من المؤسسة. وكان جزءاً من الأحزاب السياسية التي حكمت تونس خلال السنوات الـ23 الماضية، وكان مشاركاً بدرجة كبيرة في الحكومة السابقة التي تُعرف الآن بأنها كانت دكتاتورية."

لم يحدث عرض هذه الطاقات والتضحيات والدماء من قبل الجماهير لمجرد أن نرى أعضاء أخرى في النخبة الحاكمة مرتبطون بشكل وثيق مع النظام القديم ويأخذون مكان بن علي. وفي اليوم الأول بعد أن هرب بن علي نشرت الحكومة الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية في الشوارع. يجب أن يكون هذا بمثابة تحذير للعمال والعاطلين عن العمل والشباب والجماهير الفقيرة من المدن والمناطق الريفية، إذ كان هذا رسمياً لضمان "القانون والنظام" في حين أن الناس العاملين يريدون الاستقرار في حياتهم ولم يكن هذا هو هدف هذه الحكومة. "القانون والنظام" الذين يريدهما مؤيدو بن علي هما ما يسمح لهم بالبقاء مسيطرين. هذا هو سبب ضرورة أن يتنظم الناس العاملون وأن يبنوا منظمات مستقلة جماهيرية قادرة على وضع استراتيجية ثورية للخروج من هذا المأزق ولتجنب تعرض ثورتهم للسرقة من فوق.

وينبغي للعمال والشباب أن لا يضعوا أي ثقة في أي نوع من إعادة تكوين السلطة بين عصابات النهب والقتل. ولا يجب أن يسمحوا لأجهزة النظام القديم والقمعي أن يتمكن من الاستمرار وللحكومة القديمة أن تبقى في السلطة. وفيما يتعلق بالدعوات لـ"حكومة وحدة وطنية"- وهذا ما يُرفع كمطلب بشكل متزايد من قبل أجزاء مهمة من أحزاب المعارضة — يمكن أن يكون ذلك له معنى فقط إذا كان يعني تشكيل حكومة وحدة الطبقة العاملة وجميع المضطهدين، وإن كان متعلقاً بحكومة حقيقية تمثل الجماهير في النضال وعلى استعداد لتطهير تماماً أولئك الذين ركضوا واستفادوا من نظام بن علي، والوقوف بحزم ضد أي حل وسط مع جميع الحكام الرأسماليين سواء كانوا شركاء قريبين من زين العابدين بن علي أم لا. "الوحدة" في معنى آخر قد تعني خصي الحركة الثورية والاستفادة منها بشكل فعال كقوة مساعدة لتحل محلها احدى العشائر الأخرى من القامعين. يمكن تنظيم انتخابات حرة حقيقية تحت سيطرة ديمقراطية من قبل الشعب العامل وهذا هو السبيل الوحيد لمنع أنصار النظام القديم في محاولة لتخريب الثورة.

وبهذا المعنى تصبح مسألة من يسيطر على ثروات البلاد وعلى وسائل الإنتاج إحدى القضايا المركزية التي تواجه الحركة إذا أرادت أن تحل أزمة البطالة والفقر. وفي الواقع وطالما لا تزال العلاقات الاقتصادية على أساس رأسمالي يديرها من أجل الأرباح عدد قليل من الناس (أياً كان هؤلاء!) لا يمكن إجراء أي تغيير أساسي بل ستدوم نفس الظروف المعيشية للغالبية. فقط الطبقة العاملة المنظمة يمكنها تحقيق مثل هذا التغيير وذلك من خلال السيطرة على الأجزاء المهيمنة في الاقتصاد.

ويشارك جزء من قيادة هيئة الاتحاد العام التونسي للشغل في علاقات طويلة الأمد وودية مع الديكتاتورية، على سبيل المثال الأمين العام قد كرر دعمه لبن علي قبل أيام قليلة من سقوطه. وبالرغم من ذلك أجري في نهاية المطاف دفع القيادة من قبل الموجة الثورية لدى أعضاء الاتحاد المكون من 500000 عنصراً واضطرت بالتالي أن تدعو للتحرك. وهو موالي للنظام منذ أواخر الثمانينات لقد أيد الاتحاد العام التونسي للشغل إعادة انتخاب الرئيس بن علي في 2009. ومع ذلك فكان دوره منذ بدء الحركة في 17 ديسمبر 2010 في سيدي بوزيد مختلفاً تماماً. ونظم أول المناقشات في شتى أنحاء البلاد في المباني من الأقسام الإقليمية مما أدى في أواخر ديسمبر / كانون الأول إلى أن يهدد الأمين العام بملاحقة جنائية للأعضاء الذين يحضرون هذه الاجتماعات. وبعد يوم من عيد الميلاد كانت الحركة التي كانت تعتمد على فروع قليلة ومنشقّة من الاتحاد، مثل فرع القطاع البريدي أو التعليم الابتدائي والثانوي، قد ربحت تدريجياً جميع فروع الاتحاد (ميديا بارت، 12/01/2011).

وفي الأسبوع الماضي تطورت الإضرابات العامة الصلبة على مستوى المدن مثل صفاقس وسوسة والقصرين وتونس العاصمة حيث تحدى الكثير من الناس الأوامر التي وجهها زعماء الاتحاد بعدم التظاهر خلال الإضراب العام لمدة ساعتين يوم الجمعة، وخرجوا إلى الشوارع على أي حال. هذا النضال من أجل إزالة النظام القديم ينبغي على وجه السرعة أن يمتد وينسق وبما في ذلك إذا لزم الأمر أن يطور إلى إضراب عام للمطالبة بإزالة جميع شركاء بن علي وبالحقوق الديمقراطية الكاملة وبتشكيل حكومة للشعب العامل والفقراء. إن التشكيل الديمقراطي للجان رقابة تنتخب من طرف العمال أنفسهم في أماكن العمل والمصانع هي ضرورة، وينبغي تشكيل لجان مماثلة في تنظيم الأحياء والقرى للتأكد من أن يتم التحكم بالنضال في كل مكان من الأسفل، وأن يتمكن كل تنظيم سياسي من الدفاع عن وجهات نظره بديمقراطية وأن تقترح طرق تتعلق بمتابعة الحركة الحالية. ويمكن لهذه اللجان ثم الربط مع بعضها البعض على أساس محلي وإقليمي ووطني لتشكيل الأساس لحكومة الشعب العامل والجماهير الفقيرة.

مثل هذه الحكومة — التي يكسب فيها المسؤولون المنتخبون لا أكثر من الأجر للعامل العادي والذين يكونون عرضة للاستدعاء في أي لحظة — ستصادر الشركات الكبرى والبنوك من أيدي حكام المافيا الذين لا يزالون يسيطرون عليه في الوقت الحاضر، ووضعها تحت الملكية العامة وتحت الرقابة الديمقراطية وإدارة الشعب العامل ككل. وهذا من شأنه وضع الأساس للبدء ببناء مجتمع اشتراكي على أسس التخطيط الديمقراطي للاقتصاد لمصلحة الجميع. ومن شأن هذه الخطوة أن تكون مثالاً ملهماً للجماهير في المنطقة بأسرها.

موقف اللجنة لأممية العمال هو الدفاع عن والاعتراف الكامل بجميع الحقوق الديمقراطية وحرية التعبير وحرية التجمع وحرية الصحافة ووضع حد فوري لحالة الطوارئ. وندعو إلى الإفراج الفوري عن جميع السجناء السياسيين في تونس وعلى إقامة محاكم عمالية للحكم على جميع المجرمين والقتلة والجلادين الذين لا يزالون يعملون على احتلال المناصب القيادية في جهاز الدولة. يجب أن لا يتقرر مستقبل تونس بموجب اتفاق بين عناصر من النظام القديم وزعماء المعارضة الموالية للرأسمالية، بل يجب أن تكون هناك انتخابات حرة وكاملة الديمقراطية لتجمّع دستوري ثوري حيث ممثلون عن العمال والفقراء يقررون مستقبل بلدهم. نحن ندعو إلى التحرك على نطاق دولي للتضامن مع النضال التونسي. ويمكن للمبادرات أن تساعد على تطوير هيكلية لحملة دولية تروج وتدعم بنشاط الثورة التونسية.