لبنان تتعدد التفسيرات والاستنتاج واحد - لا بديل تحت النظام الحالي من أجل بناء بديل يوحد العمال والفقراء ضد الطبقة الحاكمة 1,606
بعد أن أسقطت المعارضة حكومة الحريري باستقالة وزرائها وتجددت الأزمة في لبنان، وفي حين تستعرض عضلاتها كل من المعارضة والموالاة عبر التهديد بالشارع وعبر محاولات لاستقطاب الجماهير حول القضايا نفسها التي شلت البلد ما بعد اغتيال الحريري في عام 2005، نرى تشنجاً يزداد يوماً بعد يوم بين الناس العاديين. فالشعب العامل هو الذي كان يدفع ثمن الجمود السياسي خلال الأشهر الماضية والذي سيدفع ثمن الفتن الطائفية التي قد تحصل نتيجة فشل الطبقة الحاكمة في إدارة المجتمع المقسوم طائفياً وسياسياً وطبقياً بامتياز نتيجة الفقر الوحشي الذي يواجهه العمال والعاطلين عن العمل. وبينما كانت العبارات التالية تُسمع من قبل الصحافيين في الشارع في الأيام ما بعد الاستقالة: "قرفنا،. سنوات نعيش في خوف لا نستطيع أن نقدم على خطوة لتحسين أعمالنا"… و"وجودها (الحكومة) وعدم وجودها مثل بعضو، لم أكن أشعر فيها أصلاً"… و" بعد اليوم لن أتبع أحداً، لأنهم لن يطعموا أطفالي، ولن يسدّدوا أقساطهم المدرسية"…، أصبحت العبارة الأكثر استخداماً من العدد القليل من الناس في الشارع اليوم هي: "لا أحد يعلم ماذا سيحصل…". السعودية ترفع يدها عن لبنان وتحذر من تقسيمهغادر وزير الخارجية التركي ورئيس الوزراء القطري بيروت أمس وقبيل مغادرتهما أصدرا قرارهما الذي يبني على اجتماعهما الثلاثي مع رئيس الجمهورية السورية وهو التوقف عن مساعيهما في لبنان في هذا الوقت ومغادرة بيروت من أجل التشاور مع قيادتيهما. ورابطاً الأمور مع السودان حذّر وزير الخارجية السعودي من وصول الأمور إلى الانفصال وتقسيم لبنان ونهايته كدولة تتعايش فيها الأديان والقوميات والفئات المختلفة. وفي حين أن الموالاة لحركة الحريري تتهم المعارضة بتعطيل الدولة وتهديد مصير البلد تعلن المعارضة عن هدفها وهو عملية تغيير نحو دولة لا يحكمها لا الفساد ولا السرقة، وأن وزراءهم معنيون بتغيير السياسة الاقتصادية للدولة اللبنانية التي لم تقدم سوى الفساد والديون والضرائب. ويذكر زعماء المعارضة أنهم هم من يضعون الخطوط الحمر ويمنعون الاشتباكات في الشارع على عكس الاتهامات التي توجه ضدهم، وأن الإصلاح والتغيير عن سياسات الحريري منذ أوائل التسعينات قد بدأ "يلوح في الأفق"، وأن "تجربة رئيس تونس خير دليل" على ما يقولونه. ويأتي هذا التشبيه من قبل المعارضة بنيّة استغلال الغضب لدى الجماهير العاملة والفقيرة في لبنان التي هي من دفع ثمن سياسات الحريري الأب والابن، ولكن معتبرة جماهيرها "أرقى" من جماهير تونس، ومحاولة أن تضبط الشارع حول المواضيع المعيشية والطبقية التي حرّكت عمال وشباب تونس الثوريين والبطوليين والتي قد تحرك عمال وشباب لبنان وقد تؤدي إلى إزالة النظام بأكمله، كما يأمل عمال وشباب تونس أن يحصل عبر انتفاضتهم الملهمة. فشلت التسوية وحل محلها مواجهة… من جديدوتُستغل وسائل الإعلام في عملية تشنيج الوضع الأمني في لبنان مع تقارير متتالية عن وصول ضباط من المارينز الأمريكي إلى لبنان متخصصون في عملية الاختطاف وينتمون إلى جهاز الـC.I.A، وأن مواطنين يغادرون البلد، وعن أجهزة أمنية تضرب طوقاً أمنياً حول تجمعات لا تعجبها، وعن تقارير جديدة لدى ليكس تكشف معلومات جديدة حول الحريري وعن لقاءات وأحاديث مثيرة للشك بين الحريري الابن وشهود زور، ومؤتمرات صحفية تغطي أحد الطرفين وكلاهما يتهم الدول الكبرى الداعمة للطرف الآخر بأنها تتدخل وتأخذ البلاد إلى "المجهول". وتردد المعارضة أنها لن تقبل أبداً بإعادة الحريري كرئيس مجلس وزراء وتسأل كيف يعاد شخص متهّم بالفساد وبتغطية شهود الزور، بينما تصر الموالاة لحكومة الحريري أنها لن تسمي غيره في جلسة التشاورات التي أجلت إلى الأسبوع المقبل. جمود سياسيويستبعد معظم المراقبين إمكانية تشكيل حكومة جديدة قبل التوصل إلى حل بشأن القرار الظني لدى المحكمة الدولية الذي من المتوقع أن يوجه اتهامات إلى حزب الله باغتيال رفيق الحريري عام 2005 .وتتراوح المهلة التي ينظر خلالها قاضي ما قبل المحاكمة في أدلة إثبات مواد الاتهام، بين ستة أسابيع وعشرة أسابيع وذلك للتثبّت ممّا إذا كانت مقبولة أو لا. وإذا صدّقت مسوّدة القرار وتحولت تالياً إلى قرار رسمي، يصبح في الإمكان إعلان القرار ومطالبة الدولة اللبنانية بتبليغ المتهمين وتسليمهم للمحكمة. لذا كانت خطوة المعارضة تهدف إلى تعطيل حكومة الحريري كي لا تستطيع أن تتجاوب مع أي تهمة سياسية ضد حزب الله وألا تُستخدم المحكمة لاستهداف المقاومة الشيعية من قبل الغرب والدولة الإسرائيلية ولتقسيم البلد وأخذه إلى فتنة داخلية. وتتجه الأنظار نحو النواب غير المنتمين إلى أحد الطرفين لمعرفة اتجاهاتهم النهائية ولمعرفة أية جهة ستأخذ الأكثرية وتشكل حكومة، فيما يبدو موقف جنبلاط هو الأكثر إحراجاً، وذلك بعد فشل المسعى السوري — السعودي. وفي حين أن الصراع يجري حول السلطة لا يمكن استبعاد العودة إلى احتجاجات الشوارع والتفجيرات والاغتيالات السياسية التي أعقبت عام 2005. وقد طلب الرئيس سليمان من حكومة الحريري المستقيلة أن تستمر في تصريف الأعمال، وقالت ريا الحسن وزيرة المال المنتمية إلى كتلة الحريري أنها تأمل ألا تطول مرحلة الأزمة السياسية لأن "الوضع الاقتصادي سيتراجع إذا طالت هذه المرحلة" — تنبيه من لديها إنفاق يتجاوز أكثر من 11 مليار دولار تراكمت نتيجة سياسة حكومات الحريري الأب والابن! واتهمت القوى الموالية للغرب وبقيادة الحريري أن الضغوط التي يمارسها حزب الله هدفها دفع حكومة الحريري لتصريف الأعمال (كما تسمى اليوم) إلى الانهيار وإقامة حكومة أخرى بسرعة تقطع كل صلة بالمحكمة الدولية، وترفض استنتاجاتها. وذلك في حين أن مؤيدي الحريري يعرفون أنه ليس بوسعهم التصدي لقوات حزب الله التي هي الجهة الأقوى في لبنان. ورغم الجو الهادئ عامة هناك بعض التخوفات من أن يتدهور الوضع الأمني وأن الجيش اللبناني فور بدء المواجهة سيتفكك إلى عناصر طائفية. ولكن حالياَ وإضافة إلى أن الطبقة الحاكمة مقسومة، فالدول الكبرى لديها مصلحة عامة في الاستقرار في لبنان ولكنهم غير قادرين على حل الأزمة بين الأطراف التي لديها مصالح متضاربة مثل الموالاة لحكومة الحريري المدعومة من السعودية ومصر في المنطقة ومن أمريكا وفرنسا على المستوى الدولي، والمعارضة بقيادة حزب الله والمدعومة من قبل سوريا وإيران المعروفتين بالقوى الإقليمية المقاومة لإسرائيل والغرب. ولكن ما هو الأهم هو أن الجماهير في لبنان لا تريد العودة إلى فترة الحرب الأهلية، وفي مثل هذه الحالة تتردد في تحركاتها التي قد تؤدي إلى المخاطرة بمصير البلد. فتبقى الشوارع فارغة والحركة قليلة في الأوقات المتأخرة وتنظر العيون إلى ما يحدث خارج لبنان. وكما أن اسرائيل لا تستبعد إمكانية "تسخين الحدود الشمالية"، فمن الواضح أنها ترسل رسالة إلى المعارضة بأنها تراقب ما يحدث وكما قالت التقارير أن الجيش الإسرائيلي جاهز لكل إمكانية تصعيد على الحدود الشمالية في أعقاب ما يجري في لبنان. فتتخوف الناس من حدوث حرب نتيجة احتمال أخذ المعارضة السلطة مما قد يؤدي إلى تدخلات أجنبية وإلى حرب إقليمية. وفي حين أن المعارضة تتهم إسرائيل باغتيال الحريري الأب وتطرح الأسئلة حول فبركة الشهود الزور الذين معظمهم يلوذ بفريق الحريري، يرفض الحريري أن يحيل الشهود الزور للتحقيق. وشهد الشعب المقسوم في لبنان تسجيلات مسربة من المحكمة الدولية تنشر عبر قناة الجديد وبدأت يوم السبت الماضي تكشف مقابلة بين الحريري وشاهد زور مع أقوال من قبل الحريري تدل على أنه يخفي حقائق عن جماهيره. وردّ الحريري باعتذار موجه إلى جميع هؤلاء الذين قد جرحهم بالكلام الذي سُرّب. وتقول التقارير أن نقاشات تدور داخل تيّار المستقبل حول مصير اللقاء السنوي الذي كان يحشد له تيّار المستقبل في ذكرى اغتيال الحريري الأب في 14 شباط، إذ يرى البعض أنها ستكون مناسبة لإعادة شدّ العصب حول الحريري الابن، مع قلق بارز أن عدد الجماهير الداعمة لقضية الحريري قد تناقصت. وللمرّة الأولى منذ 2005، تتصرّف المعارضة كما لو أنّها متّجهة حتماً نحو الإمساك بالسلطة. ففي كلمات قادتها، تعلن الطلاق مع الحريري واضعةً لائحة مواصفات لرئيس الوزراء الجديد كـأحد "له مسيرة مقاومة وطنية وقدرة على التصدي للمشاريع الاستكبارية وشخصية تملك الحد الأدنى من الحيثية الشعبية". وتلخص المعارضة هدف خطتها للفترة المقبلة بأنه "محو آثار الانقلاب الذي شهادته البلاد عام 2005. فالحكومة المقبلة سيكون على رأس أولوياتها إلغاء كل التزامات لبنان مع المحكمة الدولية، ومطالبة الأمم المتحدة بمراجعة الاتفاق الملحق بالقرار 1757، قبل الانتقال إلى اتخاذ قرارات داخلية من شأنها تقديم تجربة جدية في الإصلاح القضائي والإداري والأمني والاقتصادي". استغلال اليأس الطبقي والمواضيع الاقتصاديةودعا وهاب، وهو قيادي بارز في المعارضة، وزير الخارجية السعودية و"أمثاله الى الانشغال بالصراع الخفي الدائم على السلطة في بلده وبالمئات الآلاف من الفقراء الذين تنهب أموال البلد أمامهم وهم جائعون". ومن الواضح أنه في حين أن قيادات المعارضة تشعر بالقوة نتيجة الحليف الأساسي داخلها حزب الله المسلح والممول والمدعوم من قبل سوريا وإيران، هي تشعر بالقلق اتجاه جماهيرها التي تواجه أزمات مستمرة أهمها الأزمة الاقتصادية التي تظهر أكثر فأكثر في الحياة اليومية. فتستخدم المعارضة أساليب ولغة شعبوية للحفاظ على شعبيتها في المأزق الذي تتجه نحوه البلاد، واستناداً إلى الغضب الجماهيري الذي كان موجود في التسعينات نتيجة سياسات الحريري الاقتصادية والاجتماعية من تهجمات على ظروف العمل إلى تجويع القطاع العام تحضيراً للخصخصة. ويقال أن الولايات المتحدة كانت تحاول منع الحريري مــن التحوّل إلى جنبلاط. في حين كان الحريري في زيارته إلى أوباما يوم استقالة وزراء المعارضة، وكانت قناة الجزيرة قد نقلت أن كلينتون أبلغت الحريري والملك السعودي بن عبد العزيز أن الولايات المتحدة لن تقبل على الإطلاق أي حلّ يسبق صدور القرار الإتهامي. وفي إطار حشد أميركا دول الخليج ضد إيران، قامت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بجولتها على المنطقة التي تأتي في الإطار الدبلوماسي، استكمالاً للتجييش العسكري وصفقة السلاح الأميركية للسعودية التي تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار. وعبرت كلينتون عن قلقها على استقرار لبنان ونبهت أن إيران تقرع طبول الحرب، ودعت إلى تحرك مشترك للعرب والأميركيين لمواجهة "التطرف". وفي حين أن الحكومة الإسرائيلية ما زالت تهدد وتخرق أجواء لبنان، ما زال التهرب من خدمة الجيش الإسرائيلي يشكل مشكلة للطبقة الحاكمة الاسرائيلية أي أنه لا يقتصر على الذين يرفضون الخدمة لأسباب دينية بل يشمل القطاع العلماني أيضاً. وكما ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية إن نسبة الملتزمين بالخدمة في الجيش خلال السنة الماضية قد بلغت نحو 66٪، فيما بلغت نسبة الذين يرفضون الخدمة على خلفيات دينية 13٪، ينضمّ إليهم 21٪ تقريباً من الذين تذرعوا بحجج نفسية وصحية وأخرى للتهرب من الخدمة. مزاج من اليأس ومطالب اقتصاديةوفي حين أن مزاج الجماهير قد يتغير بحسب الأحداث في البلد والمنطقة، فاليوم الشارع اللبناني هو أكثر توتراً منذ ليلة استقالة الحكومة (الأربعاء 12 كانون الثاني. يناير) لكنّ الهدوء النسبي للأعصاب لم ينجح في إخفاء قرف الناس من جهة، وتخوّفهم من تجدّد جولات العنف المذهبي من جهة أخرى. فمن التعبيرات الأكثر شيوعاً اليوم في الشارع، كما نشر في جريدة الأخبار يوم الخميس الماضي: "قرفنا،. سنوات نعيش في خوف لا نستطيع أن نقدم على خطوة لتحسين أعمالنا" و"لاحظ كيف أن ارتفاع أسعار البنزين والمازوت هو الشيء الوحيد الذي يتفق السياسيون عليه، لأننا شعب مثل الماعز نتبع ما يقال لنا" و"لم تعد تعنيني سياسة المعارضة أو الموالاة — رغم أنني كنت من أشدّ المتحمسين للمعارضة بداية انطلاقتها ومضيت. أشهر في الاعتصام لكنني بعد اليوم لن أتبع أحداً، لأنهم لن يطعموا أطفالي، ولن يسدّدوا أقساطهم المدرسية" و"مللت منهم ومن كذبهم، سبب عدم مبالاتي" و"لأننا جرّبناهم، كانوا معارضة وموالاة وكانوا شركاء في الحكومة، لم نستفد منهم بشيء. على العكس من ذلك، فقد اتفقوا علينا" و"غداً عندما تعود المياه إلى مجاريها سيقتسمون هم الكعكة، ورح تطلع براسنا"، "وجودها (الحكومة) وعدم وجودها مثل بعضو، لم أكن أشعر فيها أصلاً — الحالة الآن أفضل" وعن احتمال حدوث. أيار جديد "لا أعتقد، أصلاً ما في حدا تقوّص عليه، لأنهم تعلموا" و"لأنني شاركت في. أيار، لن أشارك في. أيار جديد، لأن هذه المرة المعركة في مؤسسات الدولة، قوّصنا، ومات شباب من عندنا ومن عندهم، وبعدين؟ تصالحوا، الله يرحم اللي ماتوا، ما فينا نقول غير هيك"… وتجري هذه التطورات في صفوف النخبة الحاكمة بينما تشاهد الجماهير في لبنان العنف الطبقي في كل من تونس والجزائر حيث سقط عشرات القتلى جزاء المطالبة بالعمل والرغيف، وحيث نرى اليوم شباب وعمال عرب يحتجون مطالبين بفرص عمل وبخفض الأسعار مثل في مصر والأردن والجزائر وحتى السعودية. وفي مصر لجأ رجلان إلى حرق أنفسهما رمزاً لليأس والغضب ضد الطبقة الحاكمة واحتجاجاً على الظلم وتجاهل المطالب الاجتماعية والاقتصادية. فساد وإنفاق في الموازنة من دون حسيبفي ظل تأخير موازنة 2011 وتساؤلات حول شرعية إنفاق 2006 ــ2010، يكشف الطيار الوطني الحر الحليف لحزب الله آخر موازنة مصدّقة من المجلس النيابي التي تعود إلى عام 2005 أنها صُدّقت في مطلع 2006، أي بعد انتهاء سنة الموازنة. أما مشاريع موازنات 2006 و2007 و2008 فلم تُقدّم إلى المجلس النيابي، وأن حكومة السنيورة الثانية نفذت مشروع موازنة 2009 من دون أن تقدّمه للمجلس وأن تجاوزاً في الإنفاق العام قد بلغت قيمته أكثر من 11 مليار دولار أميركي خلال السنوات من 2006 ولغاية 2009 ضمناً، وأن هذا المنحى استمرّ في التعاطي مع الموازنة، فتأخّرت حكومة الحريري في تقديم مشروع الموازنة حتى 21 تموز 2010. ومن الواضح أن المعارضة استلمت الملفات التي تشير إلى الفساد القائم منذ بداية الحكومات ما بعد الحرب الأهلية وتحاول أن تظهر نفسها كالحركة الشعبوية ضد الفساد ولمحاربة الفقر والسرقة في البلد، مع آخر مثال لذلك تعبير وزير الطاقة والمياه باسيل عن دعمه لإضراب عمال النقل العمومي ضد الضريبة العالية على البنزين وتفاوضه مع عمال شركة الكهرباء في إضرابهم المطالب بظروف عمل أفضل وضد الخصخصة. والحرب على الوزير الآخر من المعارضة نحّاس من قبل الموالاة مستمرّة في حين أنه يوصف الوضع في شركة التصالات بمافيوي ويتهم كتلة الحريري بأنها تطمع في السطو عليها لاحقاً لحساب جيوب البعض داخلها. وفي الواقع وزارة الاتصالات لم ترَ أي تغيير رغم الشائعات عن قيام الوزير نحّاس بانقلاب في وزارته. وسرعان ما تطوّرت هذه الشائعات بهدف توتير الأجواء فنشرت بعض وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية التابعة لفريق 14 آذار أخباراً عن اقتحام ميليشيات من حزب الله والتيار الوطني الحر شركة الاتصالات. وحاول وزير الشؤون الصايغ الموالي لحكومة الحريري أن يستخدم الأسلوب ذاته الشعبوي لدى المعارضة فدعم اعتصام عدد من مستخدمي المراكز الإنمائية ولكن بعد الإضراب أصدر تعميماً للحصول على أسمائهم لأنهم "خالفوا القانون بتركهم مراكز عملهم". فقر وبطالة بين الشبابأصبحت السلطة في لبنان بحكوماتها المتعاقبة منذ عام 1992 رمزاً لمنفذي ضرب الاقتصاد الوطني ورهنه لسياسات الصندوق والبنك الدوليين وخدمة لمصارف ذوي النفوذ، ولافراغ المؤسسات وإفساد الإدارات وضرب الإنتاج الصناعي والزراعي، وتعزيز الاستيراد وعدم التصدير سوى الشباب الذين يمثّلون 41٪ من القوة العاملة والذين يواجهون بطالة جماهيرية. وبات الشباب يتسكعون أمام أبواب السفارات بحثاً عن لقمة العيش، رغم الصعوبات في أخذ الموافقة للهجرة. ويرى العمال والشباب أن نسبة التضخم في عام 2010 كانت 12٪، في مقابل تقلّص فرص العمل وازدياد معدلات البطالة إلى ما يزيد على 30٪، إضافة إلى تراجع القطاعات المنتجة من صناعة وزراعة لتحكم الاحتكارات المالية وشيوع سوق المضاربات المالية والعقارية. ويُستغل اليأس الذي يشعر به شباب الطبقة العاملة الذين لا يرون الحل لمشاكلهم ولا يرون بديل للوضع الاقتصادي في ظل أغلى فاتورة كهرباء في العالم وفي وقت يواجهون الضرائب على البنزين في بلدٍ الغاز لن يبدأ التنقيب عنه. وحيث البحث عن فرصة للعمل في الخارج وقرار الهجرة لم يعد صائباً، يشعر بعض الشباب اليوم أنه من الضروري البدء بالعمل على التغيير ولو كان هذا التغيير هو محاسبة الفاسدين والمفسدين وسارقي أموال العمال والفقراء، وتغيير من يحكمون البلد منذ الفترة السابقة ومن هم اليوم جالسون في قصورهم. إلا أن هذه الطبقة الحاكمة هي بمعظمها موالاة للحريري وللنهج النيو-ليبرالي وترمز إلى النخبة السنية في لبنان والمنطقة (السعودية)، وهي تستغل الحس المذهبي وتحاول أن تقسم شباب الطبقة العاملة إلى سنة وشيعا وإلى مناصري كتلة الحريري ومناصري حزب الله. النقابات الفارغة آليات لصراع النخبة الحاكمة على السلطةوكان الاتحاد العمالي العام قد أصدر بياناً يطالب بتوفير التوازن المالي في صندوق الضمان الاجتماعي وبزيادة نسبة الاشتراكات للمحافظة على تقديمات الصندوق وتمكينه من القيام بدوره كأهم مظلّة اجتماعيّة للعمال والمستخدمين، ومهدداً بتحرّك ضد رسوم البنزين، وذلك بمشاركة باسيل وزير الطاقة والمياه للمعارضة. وكانت النقابات المتضررة من رسم البنزين ستعلن الإضراب في منتصف الشهر الجاري وكان باسيل قد قال أنه يدعم المطالب والتحركات في الشارع وأنه سيشارك، مشيراً إلى فرض حكومة الحريري ضريبة غير مباشرة على صفيحة البنزين. وأعلنت النقابات موعداً للتحرك في 10 شباط المقبل، داعيةً كل اللبنانيين إلى المشاركة، ومشيرةً إلى أن مادة البنزين أصبحت مؤشراً إلى ارتفاع الأسعار. وفي تعريب باسيل عن تضامنه مع التحرك، قال أنه مع أيّ تحرك يقوم به أصحاب الشأن للمطالبة بخفض الرسوم على البنزين، وإنه يتضامن معهم لا مع الحكومة في ظل استمرار ظلمها للناس، و"كما نتضامن مع المواطنين في الظلم الذي يقع عليهم، وسنشارك في أيّ تحرك، وأيّ تظاهرة ضد الحكومة التي نحن فيها لرفع الظلم". وشدّد باسيل على أنّ الرسم الذي تفرضه الحكومة على البنزين مخالف للقانون، وقال إنه من غير الطبيعي أن يكون في لبنان رسم على الرسم، فيما أولياء الخزينة فرحون بارتفاع أسعار المحروقات، باعتبار أنّ المداخيل من المحروقات تزداد لتصبح مليار دولار سنوياً. وبعد ذلك بأيام، بدأت المسائل تدور حول موضع المحكمة الدولية وعادت التشنجات الطائفية في البلد، لتصبح الأزمة السياسية بين أطراف السلطة طاغية على الصراع الطبقي الذي كان يتبلور في الأشهر الماضية نتيجة الوضع الاقتصادي والمسائل المعيشية. ومع انتخابات هيئة مكتب الاتحاد العمالي العام تسارعت وتيرة الأحداث بين فريقي المعارضة والموالاة وضمت المعارضة القيادة المتمثلة بنقابيين من أحزاب المعارضة ليصبح الصراع سياسي وللسيطرة على الاتحاد الفارغ من النقابيين، وقاسماً النقابات غير المناضلة إلى معارضة وموالاة. وفي هذا الإطار، نبهت قيادة الاتحاد أنه غير مقبول أن تستمرّ الدولة واصفة إياها بالعاجزة عن معالجة ملفّات اقتصاديّة ومعيشيّة و"ترهق المواطن وبالأخص الموظف والعامل" مما صبّ في الخانة السياسية والتواطؤ المتكامل بين السياسيين على مصالح الناس العاملين. وكانت قد أعلنت قيادة الاتحاد في عام 2010 أنها تستعد لسلسلة تحركات في الشارع احتجاجاً على سياسة الحكومة الاقتصادية والاجتماعية والضريبية. وبعد اجتماع لهيئة مكتب الاتحاد العمالي في. كانون الثاني شرح رئيس الاتحاد غصن أن الاجتماع تابع قرارات المجلس التنفيذي، ولا سيما التحضير لآلية التحرك في النصف الأخير من كانون الثاني، والذي يشمل الإضراب والتظاهر والاعتصام، وسيكون تحركاً شاملاً في كل المناطق، إضافة إلى اعتصام مركزي، احتجاجاً على سياسات الحكومة. وعما إذا كانت الساحة النقابية كلها متضامنة مع قرارات الاتحاد العمالي العام، قال غصن "بالطبع، وأنا متأكد من أنه ليس هناك أي عامل أو نقابي ضد مطلب تصحيح الأجور ومكافحة موجة الغلاء، وهو المطلب الرئيسي لتحركنا". ولكن الاتحاد يُحسب على المعارضة بالقيادة التي تنتمي لها وبفروعها الفارغة وبهيئاتها البيروقراطية. لا صوت للطبقة العاملة إلا عبر بناء حزب عمالي جماهيري جديدالطبقة العاملة في لبنان تعيش أصعب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتتوالى أزماتها وإرهاقها بالضرائب من جهة وتجاهل مطالبها وحقوقها بالعمل والأجر والسكن والطبابة والتعليم والتأهيل وسياسات زيادة الضرائب والرسوم إلى زيادة أسعار البنزين والمحروقات، ورفع أسعار للمواد الغذائية حتى رغيف الخبز، والسياسات التي أغرقت البلاد في أكبر مديونية في العالم نسبياً إضافة إلى السياسة الضريبية المعتمدة على الضريبة غير المباشرة التي تصيب العمال والفقراء، بينما تعفي الرساميل الكبيرة والشركات التابعة للحريري مثل السوليدير من هذه الضرائب. ويحدث كل ذلك في ظل الفساد المستشري في كل الإدارات ومؤسسات القطاع العام بهدف إفلاسه وتبرير بيعه للشركات الخاصة، بعد إيهام الطبقة العاملة التي هي بحاجة إليه بأنه لا سبيل للإنقاذه أو لإصلاح إدارته إلا عبر بيعه وخصخصته. تمارس هذه السياسات الرأسمالية المتوحشة في كل بلدان المنطقة وكانت الظروف الناتجة عنها هي المحرك الأساسي في تونس لثورة العمال والعاطلين عن العمل والفقراء والاشتراكيين والناشطين من أجل الديمقراطية، إلى أن أسقطت بن علي وألهمت جماهير المنطقة. هذه المسائل الطبقية حركت العمال في مصر وأدت منذ 2007 حتى اليوم إلى إنشاء ثلاثة نقابات مستقلة. وبسبب الظروف المشتركة انتشرت احتجاجات تونس إلى الجزائر والأردن وألهمت نضالات مغربية وعربية وعالمية. ويمكن القول أنها أخافت الأنظمة غير المستقرة في البلدان العربية، وأشعرت الشعوب الفقيرة بالتضامن مع العمال والشباب الثوريين الذين يقودون الطريق إلى الأمام للطبقة العاملة في المنطقة. لتجنّب انتقال "العدوى التونسيّة" حكومات تتنازل وأخرى تفرق لتسدفيما تستمر المواجهات في تونس عدد من الحكومات العربية أُرغمت على تعديلات في السياسات المعيشية والاقتصادية خوفاً من أن تنتشر احتجاجات تونس إلى شعوبها، ورفضت استقبال بن علي — رئيس تونس الذي طردته ثورة الجماهيرية للشباب والعاطلين عن العمل والعمال والنقابيين. فالحكومة الجزائرية تنازلت بعدما قررت رفع الضرائب والتعريفات الجمركية على الواردات من المواد الغذائية الأساسية، ودفعت منحة شهرية بقيمة 2500 دينار جزائري، ما يوازي 32 دولاراً، للمتخرجين من الجامعات ومراكز التأهيل العليا، إلى حين دخولهم مجال العمل. أما في ليبيا، فقد تقرر إعفاء السلع الغذائية المصنّعة محلياً والمستوردة من الضرائب والرسوم الجمركية لمواجهة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية. ويشمل قرار الحكومة الليبية سلعاً مثل منتجات القمح والأرز والزيوت النباتية والسكر وحليب الأطفال. وإذ أحجم مسؤولون حكوميون في طرابلس عن الإدلاء بتعقيب، فإن مصادر صندوق موازنة الأسعار الليبي سارعت إلى التأكيد أن السوق لن يعاني من أي انعكاسات سلبية لارتفاع الأسعار عالمياً. وفي سياق آخر، وجه رئيس الحكومة الليبية المحمودي المصارف المتخصصة إلى ضرورة منح القروض السكنية والإنتاجية لليبيين بأيسر الشروط والإجراءات، لغرض بناء المساكن وإقامة المشاريع الإنتاجية والخدماتية والتجارية بجميع مجالاتها. وأعلنت الحكومة الأردنية من جهتها تخصيص 120 مليون دينار أردني، 169 مليون دولار، في سلسلة إجراءات تهدف إلى خفض أسعار السلع الأساسية والمشتقات النفطية، في محاولة لتهدئة السخط الشعبي، قبل أيام من مسيرة احتجاجية جرت يوم الجمعة 14 كانون الثاني ورُوجت على الانترنت باسم "يوم الغضب الأردني". وكان نائب رئيس الوزراء الصفدي قد قال أن "تنفيذاً لتوجيهات الملك عبد الله الثاني، اتخذ مجلس الوزراء حزمة من القرارات التي ستخفف من آثار الأزمة الاقتصادية على مستوى معيشة المواطنين وقدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية في مواجهة موجة ارتفاع الأسعار العالمية، التي كان لها انعكاسات على مستوى الأسعار في المملكة". وأضاف أن "مجلس الوزراء فوّض إلى وزير الزراعة ووزير الصناعة والتجارة مراقبة أوضاع سوق الخضر وأسعار السلع الرئيسية فيها، واتخاذ القرارات بإيقاف التصدير وفتح باب الاستيراد في حال وجود أي اختلال في الأسعار نتيجة للعرض والطلب". ومن الواضح أن الحكومة تحاول أن تمتص شعور الناس العاملة في الأردن التي هي من أصل فلسطيني بأغلبها وبنسبة حوالي 80٪ من الشعب، والذي كبقية العمال والفقراء في العالم العربي، ألهم من ثورة تونس. وفي اليمن، علّق الرئيس صالح مهمات وزير النفط والمدير العام للشركة اليمنية للنفط بسبب نقص المحروقات، وأوضح بيان رسمي أن السبب يعود إلى "أزمة المشتقات النفطية وعدم توافرها في الأسواق، والتي أدت إلى حدوث اختناقات أمام محطات الوقود وأحدثت تذمراً لدى المواطنين". وصدر ذلك في حين أن النقص في المحروقات يسبب صفوف انتظار طويلة أمام محطات الوقود في اليمن التي لا تنتمي إلى منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، والتي تنتج نحو 300 ألف برميل من النفط يومياً. وكان قد كثّفت احتجاجات المحطات في الأيام الماضية وهدّد البعض بتنظيم تظاهرات إذا تأخر وصول إمدادات المحروقات. "الفراغ" للطبقة العاملة يملأ فقط بالاشتراكية الديموقراطية العماليةما هو واضح هو أن العمال والفقراء والمضطهدين في لبنان، كما في البلدان الأخرى، بحاجة إلى حزب جماهيري جديد على استعداد للنضال ومواجهة رأس المال والمطالبة باستثمارات ضخمة حكومية في القطاع العام بتمويل من المليارات التي تربحها البنوك والشركات التجارية الكبيرة إذا تم تأميمها تحت إدارة وسيطرة العمال الديمقراطية. حين ذاك يتم تشكيل لجان تمثل جميع العمال وتناضل من أجل نقابات شاملة وتأخذ الحركة إلى المستوى التالي. ما يسمى بحكومات "وحدة وطنية" في لبنان وما يدعى له في فلسطين أو حتى ما سمعناه من تعابير مثلها من قبل بن علي قبل هروبه من تونس، لا يمثل سوى وحدة النخبة الغنية ضد الفقراء. لقد دفع العمال والفقراء في جميع أنحاء المنطقة الثمن الأعلى للصراعات والأزمات الاقتصادية. نحن بحاجة إلى حركة عمالية موحدة لجميع الناس من جميع الجنسيات والأعراق والخلفيات المذهبية، وترفع لافتات تدعو إلى وضع حد للرأسمالية والحروب والفقر. في السنوات القليلة الماضية كانت النقابة الوحيدة التي ناضلت وأجبرت الحكومة اللبنانية على التنازل هي رابطة الأساتذة، فهي وحدت النقابيين الأساتذة حول مطالبهم العمالية وهزمت الحكومة في. من. مطالب كانت ترفعها. وكان ذلك مثال على وحدة حقيقية وعمالية قادرة على الحد من تهجمات النهج السياسي الاقتصادي للنيو — ليبرالية، وهي أيضاً قادرة على توحيد النضال دفاعاً عن القطاع العام ومع النقابات الأخرى التي تقف في ضد الخصخصة والتقشف، حتى في بلد منقسم. لقد أصبح نضال الأساتذة مثالاً ملهماً وملموساً كمثال ثورة تونس ووقفتها الحازمة في مواجهة الهجوم الشائن على الحقوق العمالية والقمع القتل. إن قوة العمال ونضالهم باستخدام الإضرابات والاحتجاجات الجماهيرية كتكتيكات مهمة لإجبار الطبقة الرأسمالية بكل أطرافها على التراجع. سوف تثبت صحة هذا النضال أكثر فأكثر مع تطورات الحركة العمالية والجماهيرية في المنطقة. لا بديل للحروب والفقر إلا عبر بناء حركة عمالية تربط المواضيع الطبقية بالمسألة الوطنية العالقة بين مصالح الدول الكبرى الرأسمالية. الحركة العمالية في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي ككل ستُجبر على مواجهة وتحدي الرأسمالية الوطنية والاقليمية والعالمية أي الامبريالية الغربية وستضطر أن تبني نقابات مستقلة لنشر النضال وكسب الثقة أنها كطبقة عاملة موحدة يمكنها ومن الضروري أن تبني أحزابها العمالية وأن تحول المجتمع الحالي بدافع الربح للأقلية إلى مجتمع مبني على تلبية الحاجات والتمتع بالحياة للجميع. اللجنة لأممية العمال تدعم التحركات النقابية من أجل بناء حركة عمالية جماهرية حول برنامج عمالي بديل يتحدى الرأسمالية. نحن نناضل من أجل بناء تنظياتم سياسية اشتراكية أمميمة تناضل لمجتمع يسعى لتلبية الحاجات العامة بدلاً من المصالح الخاصة، ولتطوير الخدمات العامة والقطاع العام مما يتيح فرص عمل جديدة. نحن نناضل لتوحيد النضال النقابي وتشكيل أقوى قوة ضغط ولرفع شعارات ضد استمرارية غلاء الأسعار ولتمويل حكومي من أجل تطوير المؤسسات الاجتماعية والحكومية مثل مؤسسة كهرباء لبنان ومؤسسات التعليم الرسمي والطبابة العمومية والنقل العمومي. إن تطوير القطاع العام بقيادة لجان ممثلة للشعب العامل وبالمراقبة منه يؤمن لنا فوائد الصناعة والزراعة والخدمات بدلاً من أن تذهب كأرباح لحساب الجيب الخاصة.
| المقالات الأخيرة في الموقع |