ضد الحرب العدوان على غزة يلزم حراك شعبي لوقف سفك الدماء 1,468
عائلات حرقت حية بأكملها، اهالي معا واطفالهم. حي الشجاعية في غزة قد اصبح انقاضا. اكثر من 2000 فلسطيني فقد حياته منذ الثامن من تمّوز. وكأن جهنم بلا رحمة قد حلت على هذا القطاع المحاصر، الفقير، والمكتظّ بالسكان في شهر رمضان. عادة ما يكون عيد الفطر مناسبة احتفاليّة، يُختتم بها شهر رمضان، لكن في الفطر الأخير، الموافق 28–29 من تموز، شاهد قطاع غزة احدى الهجمات الحربية-الجوية الأكثر عنفا عليه، مخلفة اكثر من مائة شهيد. كون معدّل الأعمار 17 عاما (في القطاع ذي ال 1,8 مليون نسمة) يعني أنّ سفكِ القصف الاسرائيلي المتوحش لدماءَ أكثر من 450 طفلا كان شيء حتميّا. معظم المواطنين اللذين قُتلوا لم يشاركوا في القتال. محطّة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع قُصِفت وترميمها مُقدّر أن يستهلك اكثر من سنة. هذة المحطة، بالاضافة الى الكهرباء التي يتم شرائها من اسرائيل، زوّدت قبيل الحرب المواطنين في قطاع غزّة الكهرباء لمدة ساعات قليلة كلّ يوم فقط، لكن ألآن هذه أيضا دُمّرت، الى جانب بنية المياه والمجاري التّحتيّة. ليست هناك بقعة آمنة في قطاع غزة، كما ولا مخرج منه بتاتا. وحشية العدوان تزداد مع كل تجديد للقصف. قصف المدرسة التابعة لمنظمة الغوث العالمية " الاونروا"، بالاضافة لقصف مستشفى الوفى والمساجد، تكشف من جديد سخرية الدّعاية الاسرائيلية التي تحاول تبرير قتل المواطنين الأبرياء بأنّه "حادث مؤسف". بعض المدنيين قد قُتلوا جراء "القذائف المنبهة " التي القت على البنايات وحولتها الى رماد. وسائل التحذير هذه، التي تدّعي "الانسانية " بشكل لا يقلّ عن التّهكّمي، ما هي الا تغطية ادّعائيّة لطمس حقيقة طبيعة اعمال الإرهاب المؤسّساتي. إدعاءات حكومة اسرائيل الكاذبة والمتكرّرة على انّ هذه هي حرب " دفاع " و "لا مفرّ" تتناقض مع اي نظرة عقلانية للواقع فيما يتعلق بموازين القوى والسّياق العام للعدوان العسكري والاقتصادي المُمنهج والقمع الشّديد لأهل غزة على يد اسرائيل. من السّهل تفنيد هذا الإدّعاء أيضا اذا قارنّا كمية الضحايا في غزة مع عدد الضحايا القليل من المدنيين في الجانب الإسرائيلي. ثلاثة مواطنين قد قتلوا بظروف مأساوية في الجانب الإسرائيلي بالإضافة ل — 64 جنديّا الذين قُتلوا هباء. هذا العدد اكبر من مجموع عدد الضّحايا اللذين قد قتلوا داخل حدود اسرائيل من صواريخ حماس والميليشات الفلسطينيّة الأخرى منذ عام 2001. لكن في هذه الحرب جهاز" القبة الحديدية" الاسرائيلي قد استطاع ان يوقف معظم الصواريخ الموجهة من غزة نحو المجمعات السكنية في إسرائيل. ليس صدفة ان من ثلاث ضحايا الحرب في الطّرف الاسرائيلي فقط واحد قُتل جراء سقوط صاروخ، وهو مواطن بدوي من جنوب البلاد والذي حكومة اسرائيل قد أنكرت حقه وحق مئات الالاف من البدو في الحصول على وسائل حماية، كقسم من سياسة دولة إسرائيل العنصرية. كان هذا المواطن البدوي من قرية غير معترف بها من قبل دولة اسرائيل، لذا يُمنع منه ومن سائر المواطنين الحق بامتلاك او بناء ملاجئ تحميهم، والدولة لا تزوّدهم بوسائل الحماية. هذه القرى لا تظهر على خارطة اسرائيل وبالتالي منظومة "القبة الحديدية" تتغاضى الصواريخ الموجهة نحوها ولا تقاومها. بقية الضحايا في الجانب الإسرائيلي قُتلوا من قذائف الهاون (لمسافات قصيرة) كالعامل التايلاندي — العامل المهاجر لذي أُجبر على متابعة عمله في دفيئة الخضار رغم القصف. عدد الجنود الاسرائيليين اللذين قتلوا منذ بدء الإجتياح البري للقطاع (منذ 18 تموز) فاق عدد خسائر العمليات العسكرية الاسرائيلية السابقة في قطاع غزة مع مجموع عدد ضحايا العدوانين. بالرغم من ذلك، وبشكل إستثنائي، هذا لم يؤثّر حتى الأن على الدعم القوي للحرب في الشّارع اليهودي-الإسرائيلي، الذي مخاوفه من الصواريخ والهجمات المحتملة على المدنيين عبر انفاق حماس تُرجمت الى دعم كامل واعمى، وذي طابع قومي وشوفيني، للحرب على غزة. في حين ان نتائج الإستفتاءات العامّة متأثّرة من التّلاعب في الاسئلة وفي معظم الحالات تتجاهل كليّا المواطنين غير يهود (والذين يشكلون 25٪ من سكان الدّولة)، لقد تبين منها ان في الوسط الاسرائيلي اليهودي الغالبية الساحقة (85%) تعارض وقف اطلاق النار وتدعم استمرار الحرب، وإنها نسبة تفوق ما كان عشية الإجتياح البري لغزة. هذا المزاج العام المنفعل والمُحَرَّض لا يرتكز فقط على الخوف من الصواريخ (والذي تم استغلاله من قبل الحكومة حتّى أقصى حد)، بل ايضا على يأس الجماهير من أن ايقاف اطلاق النار الفوري لن يحقق اي من وعودات الحكومة بالامن والاستقرار لسكانها، كما حدث بعد الحملات الدامية السابقة على غزة. بعد مرور كشهرين من الحرب وسفك الدماء، ما زالت حماس قادرة على اطلاق صواريخها نحو تل ابيب وعدة مدن مركزية اخرى في اسرائيل. اي فكرة وهمية جنونية بأن المجازر المرتكبة ضد العائلات في قطاع غزة ستضمن أمن حقيقي للاسرائليين ستندثر مرة اخرى. فشل "محادثات السلام"كيف بدأت هذه الحرب ؟ تسعة اشهر من مهزلة المفاوضات الرسمية بين اسرائيل وسلطة التحرير الفلسطينية فشلت في نيسان بعد إستفزازات متكررة من قبل حكومة إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو. فترة المفاوضات إستُخدمت كتغطية للتّصعيد في الهجمات على الفلسطينيين، الّتي قُتل خلالها 61 فلسطينيّا في الاراضي المحتلة، وفي هدم البيوت وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية. بالاضافة تم تصعيد وتضييق في الحصارعلى قطاع غزة وبذلك تم خرق اتفاقية وقف اطلاق النار التي وقعتها اسرائيل عند نهاية حرب تشرين الثاني 2012، حيث بموجب هذه الإتفاقية التزمت حكومة نتنياهو السابقة بتخفيف شدة الحصار وبالاخص اعطاء المزيد من المساحة المائيّة لصيد السمك ومن المساحة الزّراعيّة لأهل القطاع. فرغم الإتفاقية كان اطلاق نار حيّة نحو صيادي الاسماك ومئات الفلسطينيين الذين تواجدوا في مساحة تبعد بضعة مئات الامتار من الاراضي الحدودية. في هذة الظروف دُفِعَت قيادة حماس وفتح الى تشكيل الحكومة الائتلافية في السّلطة الفلسطينيّة، والتي تمّ نقاشها طويلا، وانهاء الإنقسام السلطوي بين السلطتين الموازيتين في قطاعات السلطة الفلسطينية وقطاع غزة. ردّت القادة الاسرائيلية على ذلك بمحاولات لإزالة حماس من الائتلاف الحكومي الفلسطيني ومنعها من مشاركة الانتخابات. جراء خطواتها وجدت الحكومة الاسرائيلية نفسها منعزلة عالميا، حتى وقد فقدت بعض الحلفاء الداعمين لها في واشنطن. في 30 نيسان، ولأول مرة منذ اعلان وقف اطلاق النار سنة 2012، اغتالت اسرائيل ناشط قيادي من حركة حماس. يجب الذّكر أنّ في تلك الفترة، أي خلال شهري نيسان وايار، كان هناك إنخفاض حاد بنسبة اطلاق النار من قطاع غزة الى اسرائيل، وذلك بعد تصعيد معيّن في شهر اذار (بقيادة حركة الجهاد الاسلامي كرد فعل على اغتيال إسرائيل لثلاثة من عناصره). خلال شهر ايار أُطلِق فقط اربعة صواريخ قصيرة المدى من قطاع غزة. في 11 حزيران، خلال محاولة اسرائيلية لاغتيال شرطي تابع لحركة حماس، أُصيب "بالخطأ" طفلًا يبلغ السابعة وقد توفي لاحقا متأثرا بجراحه. في اليوم التالي اختفى ثلاثة شبان اسرائليين في الضفة الغربية، وُجِدوا بعدها مقتولين بفظاعة على يد خلية ارهابية صغيرة، اللتي ربطها نتانياهو وشركائه بحركة حماس رغم انعدام الأدلّة وانكار حركة حماس. فيما بعد إعترف المتحدث بأسم الشرطة الاسرائيلية بأن عملية القتل لم يكن مُجهز لها او مخطط لها من قبل منظمة حماس الرسمية، لكن هذا لم يمنع نتنياهو من مناورة الموقف بسخرية بحجة ان حماس هي المسوؤلة وأنّها "سوف تدفع الثمن"، في حين تواردت الأخبار ان نتنياهو حجب المعلومات الاولية حول مقتل الثّلاثة عن الجمهور الاسرائيلي وعن عائلاتهم، وباشر بحملة عسكرية في الضّفة الغربيّة توهِّم بأن الشبان المخطوفين ما زالوا على قيد الحياة. امر نتنياهو بشن حملة عسكرية في الضفة الغربية بشكل منقطع النظير، حيث تم قتل العديد من المتظاهرين واعتقال المئات، بما يشمل اعضاء في السلطة الفلسطينية المنسوبين الى حركة حماس. من ضمن المعتقلين 50 كانوا في السابق سجناء في السجون الاسرائيلية اللذين تم اطلاق سراحهمِ عام 2011 في صفقة تبادل الاسرى مع الاسير الاسرائيلي شاليط، ولا تبتهم اي صلة في مقتل الشبان الثلاثة. عندما تم العثور على جثث الثلاثة الاسرائيليين بدأ نتنياهو وبلاطُه بالتحريض تحت عنوان "الانتقام"، مشعلا بذلك التوتر القومي. عصابات اسرائيلية عنصرية، تقودها مركبات فاشية كهانية متجددة، اعتدت جسديا على عمّال ومارّة فلسطينيين. في القدس الشّرقية اختُتِطف طفلا فلسطينيا وقُتِل بوحشية بعد ان ضُرِب وحُرِق حيّا حتى مات. نتيجةً للاحداث انطلقت مظاهرات واضطرابات للفلسطينيين في القدس الشرقية والداخل الفلسطيني في اسرائيل، وارتفعت كميّة اطلاق النار من قطاع غزة من الميليشات المختلفة، بما فيها الجناح العسكري لحماس — كتائب عزّ الدين القسّام. بذلك فقدت حكومة نتنياهو السيطرة على الحرب التي بادرت فيها. الحرب على غزة هي بالاساس حرب لتعزيز مكانة الحكومة الاسرائيلية وإظهار للجميع انها حكومة انتقامية وتقتني الوقت، زاعمة انها تحاول فوق كل شيء ضمان الامن والاستقرار للجمهور الاسرائيلي. تزايد الاحباطعلى ارض الواقع، استراتيجية الأمن اليمينية اثبتت فشلها الذريع. سياسة الحصار التي وُجِّهت لاثباط حماس ،وسلسة الغارات العسكرية الدموية على قطاع غزة، نتجت بتعزيز مكانة حماس والميليشيات الاخرى وقدرتهم العسكرية، بما ذلك قدرتهم على امتلاك صواريخ متقدمة اكثر. سياسة اسرائيل هذه سببت قنوطًا، ثكلانًا، موتًا وهدمًا وبذلك ازدياد نطاق هجمات الارهاب الانتقامية ضد مواطنين اسرائيليين. أميرا هاس، صحفية اسرائيلية نادرة بصدقها، عاشت عقودا في الاراضي المحتلة وقد وصفت مسار الازمة السياسية الاسرائيلية كالتّالي: "اولئك اللذين رفضوا اقتراح ياسر عرفات وفتح بأقامة دولتين، حصلوا الان على هنية، حماس، و-bds. أولئك اللذين حوّلوا غزة الى معسكر تركيز كبير ل — 1.8 مليون مواطن يجب ألّا يتفاجئوا من انّ الشعب يحفر أنفاقًا. أولئك اللذين زرعوا خنقًا، حصارًا وعزلًا يحصدون صواريخ. اولئك اللذين، لمدّة 47 سنة، تخطّوا الخط الاخضر بشكل تجاهلي، صادروا الاراضي وتعدّو على المواطنين بشكل دائم في الغارات، اطلاقات النار والاستيطان — أيّ شرعيّة عندهم بأن يستاؤوا ويتحدّثوا عن الارهاب الفلسطيني ضد المواطنين؟" (هأرتس، 21 يوليو). الان يعترف نتنياهو بمضاضة قلبة ان النظام الاسرائيلي لا يرغب بإسقاط حماس في القطاع في المستقبل القريب، حيث النظام الاسرائيلي ليس قادرا على تحديد نوعية القوات الاخرى المتواجدة على الساحة التي من شأنها الاستيلاء على الحكم خليفةً لحماس. هنالك قوات صغيرة تنتمي الى حركة داعش بدأت تنمو في القطاع. في حين ان وزير الخارجية الاسرائيلي افيجدور ليبرمان قد دعى الى إجتياح عسكري كامل لقطاع غزة (مناقضا بذلك دعواته السابقة للانسحاب التام)، أعلنت وزارة الامن ان هدف الحرب هو "تأسيس هدوء طويل الأمد وثبات امني في الميدان الفلسطيني، تحت سيطرة حماس كقوّة مُضعَفة عسكريّا، مكبوتة وكابتة، وتثبيت اقتصادي-مدني". من الناحة الاخرى، يُظهِر العدوان الحالي على غزة مدى تدهور الأوضاع في المنطقة منذ الربيع العربي عام 2011. عندما اعلنت حكومة نتنياهو السابقة الحرب على غزة عام 2012، لم تتجرأ على الاستمرار بالعدوان لمدّة اكثر من اسبوع او التصعيد لإجتياح بري لقطاع غزة: فبعد أيّام قليلة من شنّ تلك الحرب زار غزّة كلّ من وزير الخارجية المصري والتونسي، ما جعل الحكومة الاسرائيلية تخشى خرق معاهدة السلام مع مصر وتخشى الاهتياج في الشارع الفلسطيني. لكن الان، مع الدّعم المتعجرف والمجرم من الرئيس المصري السيسي لسياسة اسرائيل (والذي برر موقف اسرائيل علنا)، وموقف القوى العالمية الداعم لإسرائيل، تحظى اسرائيل بالمزيد من الحرية للتصرف بهمجيّة. الحرب الحالية اصبحت اطول وقتا واكثر وحشيةً من عدوان 2008–2009. مشاكل اجتماعية واقتصاديةيبدو أيضا أنّ هذة الحرب ساعدت الحكومة الاسرائيلية أن تُصرِف انتباه الشارع الإسرائيلي بعيدا عن الأزمات الإجتماعية-الاقتصاديّة العميقة التي في اسرائيل. في فترة تباطئ ملموس جدّا في الاقتصاد الاسرائيلي تتّخذ الحكومة الاسرائلية، في وسط هلع الحرب، خطوات كبيرة من الخصخصة الى جانب هجمات اخرى على الطبقة العاملة. واضح جدّا ان هذا النظام يتّجه حمتيّا بخطوات سريعة نحو ازمة حادة بعد انتهاء الحرب، ويتجلى ذلك من خلال الاشتباكات العلنيّة غير المسبوقة بين الوزراء أثناء الحرب، حيث كلٍّ يتهرب من مسؤوليّة اشعال الأزمة المقبلة. رغم تباهي الحكومة الاسرائيليّة بهدم 20 من الأنفاق الحمساوية في قطاع غزّة والنيّه باظهارها على انها نصر استراتيجي، فهي لم تقدر على تصوير هذه الانجازات بصورة نصر: فبعد اطلاق الصواريخ المكثّف الى مركز اسرائيل، الذي ادى الى الغاء واسع للرحلات الجوية العالمية الى اسرائيل، اخترقت بعض المليشيات الفلسطينيّة الحدود مجددا في 28 تموز وقتلت 5 جنودا. جميع المشاكل الاساسيّة — بقيت. مطالب النظام الإسرائلي الجديدة المراوغة لتعرية القطاع من الصواريخ والأسلحة والخنادق من الأرجح ألّا تتلقى موافقة حركة حماس، فانه طلب منافق لنزع السلاح من طرف واحد ويسمح لإسرائيل الاحتفاظ بجميع وسائل العدوان العسكري ضد الفلسطينيين. حتى وإن قبلت حماس رسميا بمطلب كهذا، الا انه غير تطبيقي بالمرة على ارض الواقع .حماس لم تخضع لمطالب اسرائيل حتى الآن، شعبيتها في غزّة كانت بتراجع ملحوظ عشية الحرب، أمّا الأن فهي اخذة بالتّزايد حيث تُعتبر الحركة قوة مقاومة الوحيدة للفلسطينيّين. محاولات خالد مشعل بان يلعب دور القائد الوطني الذي يترّفع عن الفوارق والإنقسامات الطّائفية والفئوية تشبه الى حد ما خطاب حسن نصر الله في حرب 2006 بين لبنان وإسرائيل. تعاون السّيسي مع اسرائيل يضع الأخيرة في حالة أنّها لا تستطيع أن تُنصِب مصر كوسيطة في مفاوضات مستقبلية، لأن حماس لا يراها عاملًا شرعيًّا وجديرا بذلك. القادة الاسرائيليون مصرّون على "المبادرة المصرية" (ربّما مع تدخّل سعودي)، التي تمّت صياغتها من غير موافقة حماس، ويسعون بجهد لتجنّب أي صفقة محتملة قد تشمل تركيا وقطر، التي قد تعزّز موقف حماس. مع انّ مطالب حماس والجهاد الاسلامي المركزية هي فكّ الحصار الاسرائيلي-المصري وانهاء العدوان، فمن الأرجح انّ حكومة نتنياهو لن تقبل أيٍّ منها لأنّها ستكون ضربة كبيرة لمكانة اسرائيل وستُعتَبر خاسرة لها في الميدان السياسي، رغم القوة العسكرية الهائلة التي تملكها. حقيقة رفض الحكومة الاسرائيلة دعوات الرئيس الأمريكي باراك اوباما ومجلس الامن لوقف اطلاق النّار الفوري تزيد من الاحتمال ان النظام الإسرائيلي سيصبح منعزلا أكثر عالميّا. مظاهرات ضد الحربالمظاهرات والانتقاد العالمي ضد اسرائيل سيتضاعف ما بعد الحرب كون هناك تضامن عالمي رهيب مع غزة. اضافة لذلك فاسرائيل وحلفائها قلقون جدا من التطرف المتزايد عند فلسطينيّي الضفة الغربية، القدس الشّرقيّة والداخل الفلسطيني. بعد شلّال الدماء في حي الشجاعية ومقتل المئات، نظمت النقابات العمّالية الفلسطينية في الضفة الغربية، ولجنة المتابعة العليا للجماهير الفلسطينية في إسرائيل، مظاهرات وإضرابات شعبيّة يوم الاثنين الموفق ٢١ تموز. لعدم وجود نقابة عمّال كبيرة تدعم هذه الخطوة ( "الهستدروت "، بشكل مقزّز، دعمت الحرب)، الإضراب لم يكن في الاساس اضرابا عمّاليّا، مع ذلك اللاف من اماكن العمل الصغيرة اعلنت تضامنها وشاركت بالإضراب، اضافة إلى بعض الفروع للبنوك الاسرائيلية الّتي خشت أن تُفشِل الاضراب. مئات الألاف تظاهروا يوم الخميس، 24 تموز، في الضفة الغربية، مؤشرين بذلك إلى القوة والطّريق الحقيقية التي بإمكانها ردع ردود الفعل الاسرائيليّة الغاضبة و جنون المذابح والمعاناة: طريق النضال الشعبي، الذي تجنّبته على مر السنين سياسة كلا فتح وحماس الموصودة. وعلى الرغم من أن هذه المظاهرات لم تكن بمقدار انتقاضة شعبية، إلا انها نُظِّمَت في جميع انحاء الضفة الغربية. اكبر المظاهرات انطلقت من مخيّم الأمعري قرب رام الله إلى معبر قلنديا، حيث اشترك فيها 20000 متظاهر. هذه المظاهرة لا تُعتبر من اكبر المظاهرات ضد العدوان على غزة فقط، بل احدى اكبر المظاهرات في الضفة الغربية منذ سنين. عبّر المتظاهرين عن دعمهم لسكان غزة بشكل بطولي تحت نيران الجيش الإسرائيلي. حاجزا من الاطارات أُشعِل ليحميهم من هجمات الجيش، العاب نارية أُطلِقَت في السّماء وبعض الشبيبة رجمت الحجارة وزجاجات المولتوف في مواجهات مع الجيش. في بيت لحم استُخدمت عربات وحاويات القمامة لكبح جماح الجيش. الالاف تظاهروا في نابلس وكانت أيضا مظاهرة حازمة أمام مستوطنة بيت ايل قرب رام الله. خلال الأحداث قُتل تسعة متظاهرين على يد القوات الاسرائيلية ومتظاهر اخر على يد مستوطن. جميع هذا يبيّن الحاجة الماسّة لتصعيد النضال وتنظيمه من قبل لجان شعبية ديموقارطية والتي بدورها تستطيع تنظيم، تنسيق وحماية المتظاهرين — بما ذلك بوسائل مسلّحة تخضع لسيطرة ديموقراطية. في الدّاخل الفلسطيني تظاهر الاف الفلسطينيين في الناصرة، طمرة، قلنسوة، ام الفحم ومدن وقرى فلسطينيّة اخرى بالرغم من اعتقال المئات في القدس الشّرقيّة. يتزامن هذا مع تظاهر ستة الاف يهودي ضد الحرب على غزة في تل ابيب يوم السبت، 26تموز. الالاف حضروا المظاهرة رغم ان المظاهرات السابقة كانت اصغر حجما وتعرض المتظاهرين بها الى إعتداءات من قوى يمينية متطرفة، حيث كان من بين الضحايا أيضا اعضاء وناشطين من حركة النضال الإشتراكي. كانت المظاهرة كبيرة رغم انّ لم يدعمها اي من احزاب المؤسسة الإسرائيلية، بما فيهم حزب "ميريتس القومي "اليساري" (الذي دعم الحرب منذ البداية وينادي الان بوقف اطلاق النار)، ورغم إعلان الشّرطة في الرّاديوعن إلغاء المظاهرة — فقط لتصادِق عليها مجدّدا ساعة قبل بدايتها. من جديد تم الإعتداء بوحشية على بعض المتظاهرين في نهاية المظاهرة، وفي اليوم التالي على شابين فلسطينيين في القدس، من قبل متطرفين يهود. مع ذلك، فهذه الالاف أعطت ثقة ودعم كافيين لبعض الالاف الاخرى لإسماع صوت المعارضة للحرب، وفي المجمل العام هؤلاء المتظاهرون قد شكّلوا نقطة تحول هامة في المسار ضد الحرب، حيث ازدادت المظاهرات ضدّ الحرب في الشّارع اليهودي عددًا وحجمًا وجمعت آخرها حول عشرة آلاف متظاهر. نحو دولة فلسطينيةحركة النضال الاشتراكي في فلسطين-اسرائيل (التّابعة للمنّظّمة العالمية لأممية العمال — CWI) تتضامن بشكل مطلق مع الفلسطينيين ضد العدوان الاسرائيلي البربري والوحشي الّذي كلّفهم الاف الخسائر، كما وتتضامن مع المواطنين الاسرائيليين الذين يعانون الخسائر جراء الحرب. رغم المزاج الشوفيني المتغطرس الحالي في صفوف غالبية العمال الإسرائيليين، هناك عطش للحلول جذرية. وضّح نتنياهو انه في حقيقته لا يدعم اي شكل من اشكال استقلال دولة فلسطينية بجانب دولة اسرائيل، كما وجزء كبير من الطبقة الحاكمة في اسرائيل، والتي نتانياهو يمثل مصالحها، لا ترى ان قيام دولة فلسطينية مستقلة سيخدم مصالحها. هذا الجزء من الطبقة الحاكمة — كما يتردّد أيضا من زملائهم في المؤسسة الأمريكية — يخشون انّ الدولة الفلسطينة ستعرقل حفاظهم على ثبات الصّراع القومي والوضع الحرج في المنطقة، بل وانها ستكون تحت سيطرة قوى سياسية غير موثوق بها من وجهة نظرهم، واللتي ستكون معزّزة عسكريا وقد تطمح لتّتوسّع في الاراضي والموارد وربما تُشكّل عاملا في دفع الجماهير الفلسطينيّة للتّطرّف، بما في ذالك الفلسطينيّون في الدّاخل والشّتات. اعلن نتنياهو مؤخرا أنه "لا يمكن ان تكون هنالك حالة تحت اي موافقة تتنازل فيها اسرائيل عن السيطرة الامنية في المنطقة غرب نهر الاردن." هذا الانعدام لأيّ نيّة سياسية اسرائيلية بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة من شأنه لوحده أن يديم الصّراع الدّموي. سيأتي اليوم الذي يدرك فيه العمال الاسرائيليون اليهود انّه لطالما دعموا مستغليهم ومضطهديهم — أي الطبقة الحاكمة الإسرائيلية — لن يحظوا بألامن الدائم، السلام والعدالة الاجتماعية. على القوى الإشتراكية ان تفسر دائما انّ على الطبقة العاملة اليهودية الكفاح ليس فقط من اجل قضايا اقتصادية آنيّة بل عليها أساسا ان تدعم حقوق الفلسطينيين كخطوة بديهيّة لتحقيق سلام عادل يتأسس على انهاء الحصار، الاحتلال، الاستيطان وكل انواع الظلم الممارس تجاه الفلسطينيين، وانهاء جميع انواع التمييز العنصري ضد اي فئة في المجتمع، بعدف تحقيق المساواة في حقّ تقرير المصير. هذا يعني اقامة دولة فلسطينية مستقلة إشتراكية و ديموقراطية بجانب دولة اسرائيلية اشتراكيّة و ديمقراطية، مع عاصمتين لهما في القدس وحقوق متساوية للاقليات كجزء من النضال لربيع اشتراكي وكونفدرالية اشتراكيّة في الشّرق الأوسط. | المقالات الأخيرة في الموقع |